للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القول الثالث: التفصيل في ذلك: فيجب على من به رائحة أو عرق أو ريح يتأذى به الناس ويحتاج إلى إزالته، ويسن لمن لم يكن كذلك.

وهذا اختيار ابن تيمية.

قال في الإنصاف: وأوجبه الشيخ تقي الدين من عرق أو ريح يتأذى به الناس.

لحديث عائشة - السابق - قالت (كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي، فيأتون في العباءة، فيصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم الريح، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- إنسان منهم وهو عندي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا) متفق عليه.

وجه الدلالة: أن الأمر الدال على وجوب الاغتسال للجمعة على كل محتلم إنما هو لمن كان به عرق ونحوه بدليل هذا الحديث.

• بماذا أجاب أصحاب القول الأول القائلين بالوجوب عن أدلة القول الثاني؟

أحابوا:

أولاً: أما حديث سمرة فضعيف، وقد سبق أن ضعفه ابن حزم والحافظ ابن حجر.

قال الشيخ محمد بن عثيمين: وأما ما روي عن سمرة بن جندب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) فهذا الحديث لا يقاوم ما أخرجه الأئمة السبعة وغيرهم، وهو حديث أبي سعيد الذي ذكرناه آنفاً: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) ثم إن الحديث من حيث السند ضعيف، لأن كثيراً من علماء الحديث يقولون: إنه لم يصح سماع الحسن عن سمرة إلا في حديث العقيقة، وإن كنا رجحنا في المصطلح: أنه متى ثبت سماع الراوي من شيخه، وكان ثقة ليس معروفاً بالتدليس، فإنه يحمل على السماع، على أن الحسن رحمه الله رماه بعض العلماء بالتدليس، ثم إن هذا الحديث من حيث المتن إذا تأملته وجدته ركيكاً ليس كالأسلوب الذي يخرج من مشكاة النبوة: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت) (بها) أين مرجع الضمير؟ ففيه شيء من الركاكة أي: الضعف في البلاغة (ومن اغتسل فالغسل أفضل) فيظهر عليه أنه من كلام غير النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ثانياً: وأما حديث أبي هريرة (من توضأ ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر … ).

فقد ورد بلفظ آخر في الصحيح بلفظ (من اغتسل … ) فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب إلى إعادة الوضوء، وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال.

ثالثاً: وأما حديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب فأنكر عليه.

فهذا نوقش بأنه يدل على الوجوب، لأنه قطع الخطبة منكراً على عثمان ترك الغسل.

قال الشوكاني: فما أراه إلا حجة على القائل بالاستحباب لا له، لأن إنكار عمر على رأس المنبر في ذلك الجمع على مثل ذلك الصحابي الجليل وتقرير جميع الحاضرين الذين هم جمهور الصحابة لما وقع من ذلك الإنكار، من أعظم الأدلة القاضية بأن الوجوب كان معلوماً عند الصحابة.

وأيضاً: إنما لم يرجع عثمان للغسل لضيق الوقت، إذ لو فعل لفاتته الجمعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>