للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ما الفائدة التي يستفيدها المسلم من نظره إلى من هو أقل منه؟]

في ذلك فوائد:

أولاً: شكر الله على نعمه، فهذا التوجيه النبوي من أعظم أسباب تحقيق عبودية الشكر لله تعالى.

ثانياً: عدم احتقاره نعمة الله على العبد.

قال النووي: قَالَ اِبْن جَرِير وَغَيْره: هَذَا حَدِيث جَامِع لِأَنْوَاعٍ مِنْ الْخَيْر؛ لِأَنَّ الْإِنْسَان إِذَا رَأَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا طَلَبَتْ نَفْسه مِثْل ذَلِكَ، وَاسْتَصْغَرَ مَا عِنْده مِنْ نِعْمَة اللَّه تَعَالَى، وَحَرَصَ عَلَى الِازْدِيَاد لِيَلْحَق بِذَلِكَ أَوْ يُقَارِبهُ. هَذَا هُوَ الْمَوْجُود فِي غَالِب النَّاس. وَأَمَّا إِذَا نَظَرَ فِي أُمُور الدُّنْيَا إِلَى مَنْ هُوَ دُونه فِيهَا ظَهَرَتْ لَهُ نِعْمَة اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ، فَشَكَرَهَا، وَتَوَاضَعَ، وَفَعَلَ فِيهِ الْخَيْر.

وقال السعدي: ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع: استعمال ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح حيث قال (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)، فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل، رآه يفوق جمعاً كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها … وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، رأى ربه قد أعطاه خيرا كثيرا ودفع عنه شرورا متعددة، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم، ويوجب الفرح والسرور. انتهى.

ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: اللهم ارزقني حب المساكين.

قال ابن رجب رحمه الله: اعلم أن محبة المساكين لها فوائد كثيرة:

منها: أنها توجب إخلاص العمل لله.

لأن الإحسان إليهم لمحبتهم لا يكون إلا لله تعالى، لأن نفعهم في الدنيا لا يرجى غالباً.

ومنها: أنها تزيل الكبْر.

لأن المستكبر لا يرضى مجالسة المساكين، كما سبق عن رؤساء قريش والأعراب.

ومنها: أنه يوجب صلاح القلب وخشوعه.

ففي حديث أبي هريرة (أن رجلاً شكى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسوة قلبه، فقال له: إن أحببتَ أن يلين قلبُك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم) رواه أحمد.

ومنها: أن مجالسة المساكين توجب رضى من يجالسهم برزق الله عز وجل، وتعظم عنده نعمة الله، ومجالسة الأغنياء توجب التسخط بالرزق ومد العين إلى زينتهم وما هم فيه، وقد نهى الله عز وجل نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال تعالى (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) وقال -صلى الله عليه وسلم- (انظروا إلى من دونكم، ولا تنظروا إلى من فوقَكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم).

<<  <  ج: ص:  >  >>