١٢٥٠ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ فِي السِّقَاءِ، فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ، وَالْغَدَ، وَبَعْدَ الْغَدِ، فَإِذَا كَانَ مَسَاءُ الثَّالِثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَهْرَاقَهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
===
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ) أي: يتخذ له النبيذ من الزبيب، وهو العنب المجفف بأن يطرح في الماء وينقع.
(فَإِذَا كَانَ مَسَاءُ الثَّالِثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَهْرَاقَهُ) جاء عند مسلم رواية (فإن فضل منه شيء سقاه الخادم أو صبه) والمعني: أنه إن بدا في طعمه بعض تغير ولم يشتد سقاه الخادم، وإن اشتد أمر به فأهريق، فتكون (أو) للتنويع حسب حال النبيذ.
قال القرطبي: ثم سقاه الخادم. وفي الرواية الأخرى (ثم أمر به فأهريق)، وظاهر هاتين الروايتين: أنهما مرَّتان. فأما الأولى: فإنَّه لم يظهر فيه ما يقتضي إراقته، وإتلافه، لكن اتَّقاه في خاصَّة نفسه أخذًا بغاية الورع، وسقاه الخادم؛ لأنَّه حلال جائز، كما قال في أجرة الحجَّام (اعلفه ناضحك) يعني: رقيقك. وأما في المرة الأخرى: فتبين له فساده فأمر بإراقته. (المفهم)
وقال النووي: وَقَوْله (سَقَاهُ الْخَادِم أَوْ صَبَّهُ) مَعْنَاهُ تَارَة: يَسْقِيه الْخَادِم، وَتَارَة يَصُبّهُ، وَذَلِكَ الِاخْتِلَاف لِاخْتِلَافِ حَال النَّبِيذ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَظْهَر فِيهِ تَغَيُّر وَنَحْوه مِنْ مَبَادِئ الْإِسْكَار سَقَاهُ الْخَادِم وَلَا يُرِيقهُ؛ لِأَنَّهُ مَال تَحْرُم إِضَاعَته، وَيَتْرُك شُرْبه تَنَزُّهًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ فِيهِ شَيْء مِنْ مَبَادِئ الْإِسْكَار وَالتَّغَيُّر أَرَاقَهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَسْكَرَ صَارَ حَرَامًا وَنَجِسًا فَيُرَاق وَلَا يَسْقِيه الْخَادِم؛ لِأَنَّ الْمُسْكِر لَا يَجُوز سَقْيه الْخَادِم كَمَا لَا يَجُوز شُرْبه، وَأَمَّا شُرْبه -صلى الله عليه وسلم- قَبْل الثَّلَاث فَكَانَ حَيْثُ لَا تَغَيُّر، وَلَا مَبَادِئ تَغَيُّر وَلَا شَكّ أَصْلًا. وَاللَّهُ أَعْلَم. (نووي).
• ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: جواز شرب النبيذ وهو الماء يلقى فيه التمر أو الزبيب ليحلو به الماء وتذهب ملوحته، بشرط ألا يصل إلى درجة الإسكار وإلا حرم.
قال النووي: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز الِانْتِبَاذ، وَجَوَاز شُرْب النَّبِيذ مَا دَامَ حُلْوًا لَمْ يَتَغَيَّر وَلَمْ يَغْلِ، وَهَذَا جَائِز بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة.
وَأَمَّا سَقْيه الْخَادِم بَعْد الثَّلَاث وَصَبّه، فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَن بَعْد الثَّلَاث تَغَيُّره، وَكَانَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَنَزَّه عَنْهُ بَعْد الثَّلَاث.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل يَحْرُم عصير العنب وعصير البرتقال وما أشبه ذلك أم لا؟.
الجواب: هذا حلال ليس فيه شك، إلا إذا غلا - أي: تخمَّر - بأن يكون فيه زَبَد، صار حراماً، أو إذا أتى عليه ثلاثة أيام على المشهور من المذهب، وإن لم يغلِ: فإنه يكون حراماً، قالوا: لأن ثلاثة الأيام يغلي فيها العصير غالباً، ولما كان الغليان قد يخفى أنيط الحكم بالغالب لظهوره وهو ثلاثة أيام.
والصحيح: خلاف ذلك، فالصحيح: أنه لا يحرم إذا أتى عليه ثلاثة أيام، لا سيما في البلاد الباردة، أما إذا كان في البلاد الحارة فإنه بعد ثلاثة أيام ينبغي أن ينظر فيه، والاحتياط أن يتجنب وأن يعطى البهائم أو ما أشبه ذلك؛ لأنه يخشى أن يكون قد تخمر وأنت لا تعلم به. (الممتع).