٥٤٥ - وَعَنْهُ قَالَ (كَانَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَجْمَعُ بَيْنَ اَلرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحَدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟، فَيُقَدِّمُهُ فِي اَللَّحْدِ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
===
(مِنْ قَتْلَى أُحَدٍ) أي: غزوة أحد وكانت عام ٣ هـ.
(أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ) وعند الترمذي (أيهم أكثر حفظاً للقرآن).
• ما معنى قوله (في ثوب واحد)؟
اختلف العلماء في معناها على قولين:
قيل: أنه يشق الثوب بين الاثنين فيكفن هذا في بعضه وهذا في بعضه، لئلا يمس بشرة كل إنسان بشرة الآخر، وهذا اختيار ابن تيمية.
ولأن ذلك أدعى إلى ستر العورة.
قال ابن تيمية: معنى الحديث أنه كان يقسم الثوب الواحد بين الجماعة، فيكفن كل واحد ببعضه للضرورة، وإن لم يستر إلا بعض بدنه، يدل عليه تمام الحديث (أنه كان يسأل عن أكثرهم قرآناً فيقدمه في اللحد) فلو أنهم في ثوب واحد جملةً لسأل عن أفضلهم قبل ذلك كي لا يؤدي إلى نقض الكفن وإعادته.
وقيل: يجمعهم في ثوب واحد ملتصقين.
أ- لأن هذا هو ظاهر اللفظ.
ب- ويؤيده قول جابر (فكفّن أبي وعمي في نمِرة واحدة).
• ما حكم دفن الرجلين في القبر الواحد؟
يجوز ذلك إذا كان لحاجة، ككثرة الموتى، أو قلة من يدفن.
ومما يدل على ذلك: عن أبي قتادة أنه قال: (أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله، حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ وكانت رجله عرجاء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نعم، فقتلوا يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم، … فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهما وبمولاهما، فجعلوا في قبر واحد). رواه أحمد بسند حسن كما قال الحافظ.
وفي حديث جابر في قصة استشهاد أبيه في آخرها: ( … فكان أول قتيل، ودفن معه آخر في قبر … ).
• ما حكم الجمع بين أكثر من رجلين في قبر واحد من غير حاجة؟
قيل: يحرم.
وهذا قول جمهور العلماء.
لأن هذا خلاف عمل المسلمين.
قال النووي في المجموع: لا يجوز أن يدفن رجلان ولا امرأتان في قبر واحد من غير ضرورة.
وقيل: مكروه.
وهذا اختيار ابن تيمية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والراجح عندي - والله أعلم - القول الوسط، وهو الكراهة، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، إلا إذا كان الأول قد دفن واستقر في قبره، فإنه أحق به، وحينئذٍ فلا يُدخل عليه ثان، اللهم إلا للضرورة القصوى.
وقيل: لا يكره، وإنما هو ترك للأفضل، فحسب.
والراجح التحريم.