للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القول الثاني: أن الزانية التائبة لا تحل لمن زنا بها أبداً.

وهو مروي عن ابن مسعود، والبراء، وعائشة.

والقول الأول أصح.

قال ابن قدامة: … ويحتمل أنهم أرادوا بذلك ما كان قبل التوبة، أو قبل استبرائها، فيكون كقولنا.

فأما تحريمها على الإطلاق فلا يصح؛ لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم).

ولأنها محللة لغير الزاني، فحلت له، كغيرها. (المغني).

قال الشنقيطي: اعْلَمْ أَنَّ أَظْهَرَ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي أَنَّ الزَّانِيَةَ وَالزَّانِيَ إِنْ تَابَا مِنَ الزِّنَا وَنَدِمَا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمَا وَنَوَيَا أَنْ لَا يَعُوَدَا إِلَى الذَّنْبِ، فَإِنَّ نِكَاحَهُمَا جَائِزٌ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدَ تَوْبَتِهِمَا، وَيَجُوزَ نِكَاحُ غَيْرِهِمَا لَهُمَا بَعْدَ التَّوْبَةِ; لِأَنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا). فَقَدْ صَرَّحَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الَّذِينَ يَزْنُونَ، وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ إِنْ تَابُوا وَآمَنُوا، وَعَمِلُوا عَمَلًا صَالِحًا يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الزِّنَا تُذْهِبُ أَثَرَهُ، فَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ مَنْ زَنَا بِامْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ مُطْلَقًا، وَلَوْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَقَوْلُهُمْ خِلَافُ التَّحْقِيقِ، وَقَدْ وَرَدَتْ آثَارٌ عَنِ الصَّحَابَةِ بِجَوَازِ تَزْوِيجِهِ بِمَنْ زَنَى بِهَا إِنْ تَابَا، وَضَرَبَ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مَثَلًا بِرَجُلٍ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ بُسْتَانِ رَجُلٍ آخَرَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَرَى الْبُسْتَانَ فَالَّذِي سَرَقَهُ مِنْهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَالَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَلَالٌ لَهُ، فَكَذَلِكَ مَا نَالَ مِنَ الْمَرْأَةِ حَرَامًا فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَمَا نَالَ مِنْهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالتَّزْوِيجِ حَلَالٌ لَهُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. (أضواء البيان).

• ما كيفية توبة الزانية؟

اختلف العلماء في كيفية توبتها على قولين:

القول الأول: إن توبة الزانية كتوبة غيرها، وتكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إلى الذنب.

وهذا هو قول الجمهور.

القول الثاني: من تراود على الزنا فتمتنع.

وهو مروي عن عمر، وابنه، وابن عباس، وهو المشهور من مذهب الحنابلة.

ودليلهم ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قيل له: "كيف تعرف توبتها؟ قال: يريدها على ذلك، فإن طاوعته فلم تتب، وإن أبت فقد تابت.

والراجح القول الأول.

قال الشيخ ابن عثيمين عن القول الأول: هذا القول ضعيف لأسباب ذكرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله منها: إنه بالمراودة قد تعود بعد أن تابت _ وأن هذا المراوِد لا يأمن على نفسه لو وافقته _ أن المراودة إما بخلوة وهذا حرام وإما بحضرة ناس فإنها لن تطيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>