للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• بما يثبت حد الخمر؟

يثبت بالإقرار، أو البينة.

قال ابن قدامة: وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ حَتَّى يَثْبُتَ شُرْبُهُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ؛ الْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ.

وَيَكْفِي فِي الْإِقْرَارِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ.

فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ لَا يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا، فَأَشْبَهَ حَدَّ الْقَذْفِ.

أمَّا الْبَيِّنَةُ: فَلَا تَكُونُ إلَّا رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، يَشْهَدَانِ أَنَّهُ مُسْكِرٌ.

وَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى بَيَانِ نَوْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِلَى مَا لَا يُوجِبُهُ، بِخِلَافِ الزِّنَا، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الصَّرِيحِ وَعَلَى دَوَاعِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- (الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ) فَلِهَذَا احْتَاجَ الشَّاهِدَانِ إلَى تَفْسِيرِهِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُسَمَّى غَيْرُ الْمُسْكِرِ مُسْكِرًا، فَلَمْ يُفْتَقَرْ إلَى ذِكْرِ نَوْعِهِ.

• هل يجب الحد بوجود رائحة الخمر أو تقيأها؟

قال ابن قدامة: وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوُجُودِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ مِنْ فِيهِ.

فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَرَوَى أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يُحَدُّ بِذَلِكَ.

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ جَلَدَ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي وَجَدْت مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ رِيحَ شَرَابٍ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلَاءَ. فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي سَائِلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ.

وَلِأَنَّ الرَّائِحَةَ تَدُلُّ عَلَى شُرْبِهِ، فَجَرَى مَجْرَى الْإِقْرَارِ.

وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِهَا، أَوْ حَسِبَهَا مَاءً، فَلَمَّا صَارَتْ فِي فِيهِ مَجَّهَا، أَوْ ظَنَّهَا لَا تُسْكِرُ، أَوْ كَانَ مُكْرَهًا، أَوْ أَكَلَ نَبْقًا بَالِغًا، أَوْ شَرِبَ شَرَابَ التُّفَّاحِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْهُ، كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ، وَإِذَا اُحْتُمِلَ ذَلِكَ، لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ الَّذِي يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَحَدِيثُ عُمَرَ حُجَّةٌ لَنَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَحُدَّهُ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ، لَبَادَرَ إلَيْهِ عُمَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - (المغني).

<<  <  ج: ص:  >  >>