للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحكم الزاني المحصن في شريعة الإسلام الرجم بالحجارة، وهما محصنان كما وقع التصريح به في بعض روايات الحديث بلفظ

(إن أخيار اليهود اجتمعوا في بيت المدراس، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بامرأة منهم قد أحصنت) - فحكم -صلى الله عليه وسلم- برجم اليهوديين وهما كافران ليسا من أهل الإسلام، فدل ذلك على أن الإسلام ليس شرطاً في الإحصان، إذ لو كان شرطاً فيه لما كان حكمهما الرجم، وعليه: فإن الذمي محصن الذمية وأن المسلم إذا تزوج ذمية ووطئها صار محصناً والله أعلم.

وهذا القول هو الراجح.

• ما الجواب عن من قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما حكم بينهما بحكم التوراة؟

هذا جواب غير صحيح، بل حكم بينهم بحكم الله.

قال الخطابي: وهذا تأويل غير صحيح: لأن الله سبحانه يقول (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) وإنما جاءه القوم مستفتين طمعاً في أن يرخص لهم في ترك الرجم ليعطلوا به حكم التوراة، فأشار عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما كتموه من حكم التوراة، ثم حكم عليهم بحكم الإسلام على شرائطه لواجبة فيه، وليس يخلو الأمر فما صنعه -صلى الله عليه وسلم- من ذلك عن أن يكون موافقاً لحكم الإسلام

أو مخالفاً له، فان كان مخالفاً فلا يجوز أن يحكم بالمنسوخ ويترك الناسخ، وإن كان موافقاً له فهو شريعته، والحكم الموافق لشريعته لا يجوز أن يكون مضافاً إلى غيره ولا يكون فيه تابعاً لمن سواه.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر جواب الخطابي وأيده وذكر الجواب عما في رواية أبي هريرة (فأني أحكم بما في التوراة) بأن في سند هذه الرواية رجل مبهم ثم قال الحافظ، ومع ذلك فلو ثبت لكان معناه لإقامة الحجة عليهم.

وقال ابن القيم: وهذا مما لا يجدي عنهم شيئاً البتة، فإنه حكم بينهم بالحق المحض فيجب اتباعه بكل حال فماذا بعد الحق إلا الضلال.

• اذكر بعض الفوائد من هذا الحديث؟

- وجوب الحد على الكافر الذمي إذا زنى، وهو قول الجمهور، وَأَنَّهُ يَصِحّ نِكَاحه لِأَنَّهُ لَا يَجِب الرَّجْم إِلَّا عَلَى مُحْصَن، فَلَوْ لَمْ يَصِحّ نِكَاحه لَمْ يَثْبُت إِحْصَانه، وَلَمْ يُرْجَم.

- وَفِيهِ أَنَّ الْكُفَّار مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْع وَهُوَ الصَّحِيح، وَقِيلَ: لَا يُخَاطَبُونَ بِهَا، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالنَّهْيِ دُون الْأَمْر.

- وَفِيهِ أَنَّ الْكُفَّار إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا حَكَمَ الْقَاضِي بَيْنهمْ بِحُكْمِ شَرْعنَا.

- وَقَالَ مَالِك: لَا يَصِحّ إِحْصَان الْكَافِر. قَالَ: وَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا أَهْل ذِمَّة، وَهَذَا تَأْوِيل بَاطِل، لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَهْل الْعَهْد، وَلِأَنَّهُ رَجَمَ الْمَرْأَة، وَالنِّسَاء لَا يَجُوز قَتْلهنَّ مُطْلَقًا.

- في الحديث الاقتصار على الرجم دون الجلد.

- قوْله -صلى الله عليه وسلم- (فَقَالَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة؟) قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا السُّؤَال لَيْسَ لِتَقْلِيدِهِمْ وَلَا لِمَعْرِفَةِ الْحُكْم مِنْهُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ لِإِلْزَامِهِمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي كِتَابهمْ، وَلَعَلَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الرَّجْم فِي التَّوْرَاة الْمَوْجُودَة فِي أَيْدِيهمْ لَمْ يُغَيِّرُوهُ كَمَا غَيَّرُوا أَشْيَاء، أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا لَمْ يَخَفْ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِين كَتَمُوهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>