• اشتملت التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة، اذكرها؟
قال ابن القيم: وَقَدْ اِشْتَمَلَتْ كَلِمَات التَّلْبِيَة عَلَى قَوَاعِد عَظِيمَة وَفَوَائِد جَلِيلَة:
إِحْدَاهَا: أَنَّ قَوْلك " لَبَّيْكَ " يَتَضَمَّن إِجَابَة دَاعٍ دَعَاك وَمُنَادٍ نَادَاك، وَلَا يَصِحّ فِي لُغَة وَلَا عَقْل إِجَابَة مِنْ لَا يَتَكَلَّم وَلَا يَدْعُو مِنْ أَجَابَهُ.
الثَّانِيَة: أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْمَحَبَّة كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يُقَال لَبَّيْكَ إِلَّا لِمِنْ تُحِبّهُ وَتُعَظِّمهُ، وَلِهَذَا قِيلَ فِي مَعْنَاهَا: أَنَا مُوَاجِه لَك بِمَا تُحِبّ، وَأَنَّهَا مِنْ قَوْلهمْ: اِمْرَأَة لَبَّة، أَيّ مَحَبَّة لِوَلَدِهَا.
الثَّالِثَة: أَنَّهَا تَتَضَمَّن اِلْتِزَام دَوَام الْعُبُودِيَّة، وَلِهَذَا قِيلَ: هِيَ مِنْ الْإِقَامَة، أَيّ أَنَا مُقِيم عَلَى طَاعَتك.
الرَّابِعَة: أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْخُضُوع وَالذُّلّ، أَيّ خُضُوعًا بَعْد خُضُوع، مِنْ قَوْلهمْ. أَنَا مُلَبٍّ بَيْن يَدَيْك، أَيّ خَاضِع ذَلِيل.
الْخَامِسَة: أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْإِخْلَاص، وَلِهَذَا قِيلَ. إِنَّهَا مِنْ اللُّبّ، وَهُوَ الْخَالِص.
السَّادِسَة: أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْإِقْرَار بِسَمْعِ الرَّبّ تَعَالَى، إِذْ يَسْتَحِيل أَنَّ يَقُول الرَّجُل لَبَّيْكَ لِمِنْ لَا يَسْمَع دُعَاءَهُ.
السَّابِعَة: أَنَّهَا تَتَضَمَّن التَّقَرُّب مِنْ اللَّه، وَلِهَذَا قِيلَ. إِنَّهَا مِنْ الْإِلْبَاب، وَهُوَ التَّقَرُّب.
الثَّامِنَة: أَنَّهَا جَعَلَتْ فِي الْإِحْرَام شِعَارًا لِانْتِقَالِ مِنْ حَال إِلَى حَال، وَمِنْ مَنْسَك إِلَى مَنْسَك، كَمَا جَعَلَ التَّكْبِير فِي الصَّلَاة سَبْعًا، لِلِانْتِقَالِ مِنْ رُكْن إِلَى رُكْن.
التَّاسِعَة: أَنَّهَا شِعَار لِتَوْحِيدِ مِلَّة إِبْرَاهِيم، الَّذِي هُوَ رُوح الْحَجّ وَمَقْصِده، بَلْ رُوح الْعِبَادَات كُلّهَا وَالْمَقْصُود مِنْهَا. وَلِهَذَا كَانَتْ التَّلْبِيَة مِفْتَاح هَذِهِ الْعِبَادَة الَّتِي يَدْخُل فِيهَا بِهَا.
الْعَاشِرَة: أَنَّهَا مُتَضَمِّنَة لِمِفْتَاحِ الْجَنَّة وَبَاب الْإِسْلَام الَّذِي يَدْخُل مِنْهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ كَلِمَة الْإِخْلَاص وَالشَّهَادَة لِلَّهِ بِأَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ.
الْحَادِيَة عَشَرَة: أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحَبّ مَا يَتَقَرَّب بِهِ الْعَبْد إِلَى اللَّه، وَأَوَّل مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّة أَهْله، وَهُوَ فَاتِحَة الصَّلَاة وَخَاتِمَتهَا.
الثَّانِيَة عَشْرَة: أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الِاعْتِرَاف لِلَّهِ بِالنِّعْمَةِ كُلّهَا، وَلِهَذَا عَرَّفَهَا بِاللَّامِ الْمُفِيدَة لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ النِّعَم كُلّهَا لَك، وَأَنْتَ مُولِيهَا وَالْمُنْعِم بِهَا.
الثَّالِثَة عَشْرَة: أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الِاعْتِرَاف بِأَنَّ الْمِلْك كُلّه لِلَّهِ وَحْده، فَلَا مِلْك عَلَى الْحَقِيقَة لِغَيْرِه.
• ما حكم التلبية؟
قال ابن حجر في فتح الباري: … وفيها مذاهب أربعة يمكن توصيلها إلى عشرة.
القول الأول: أنها سنة لا يجب بتركها شيء وهو قول الشافعي وأحمد.
القول الثاني: واجبة يجب بتركها دم. وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.
القول الثالث: أنها ركن في الإحرام لا ينعقد بدونها. وهذا مروي عن الثوري وأبي حنيفة وأهل الظاهر، وقالوا: هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة.
قال الشنقيطي في أضواء البيان: وإذا عرفت مذاهب أهل العلم في حكم التلبية فاعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لبى وقال (لتأخذوا عني مناسككم) فعلينا أن نأخذ عنه من مناسكنا التلبية، وهذا القدر هو الذي قام عليه الدليل، أما كونها مسنونة أو مستحبة أو واجبة بدونها وتجبر بدم، فكل ذلك لم يرد فيه دليل خاص، والخير كله في اتباعه -صلى الله عليه وسلم- والعلم عند الله تعالى.