القول الثاني: التحريم.
وهذا مذهب الحنفية، وهو مذهب الحنابلة في تعليم القرآن.
أ- لقوله تعالى (ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً).
وجه الدلالة: أنها دلت على تحريم تعاطي الأجر على آيات الله كالقرآن، وما في معناه من العلوم الشرعية.
ب- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ (عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْكِتَابَ، وَالْقُرْآنَ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا فَقُلْتُ: لَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلأَسْأَلَنَّهُ فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا) رواه أبو داود.
ج- وعن أبي الدرداء. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (من أخذ قوساً على تعليم القرآن، قلده الله قوساً من النار) رواه البيهقي.
د- وعن أبي بن كعب قال (علمت رجلاً القرآن، فأهدى إليّ قوساً، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أخذتها أخذت قوساً من نار، فرددتها) رواه ابن ماجه.
فالحديث دل على تحريم الهدية، فمن باب أولى الأجرة المشروطة.
(الحديث حكم عليه ابن عبد البر والبيهقي بالانقطاع، وأعله ابن القطان بجهالة أحد رواته، وله طرق عن أبيّ، قال ابن القطان: لا يثبت منها شيء).
هـ- وعن سهل. قال: قال -صلى الله عليه وسلم- ( … اقرؤوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم، يتعجل أجره ولا يتأجله). رواه أبو داود
القول الثالث: الجواز للحاجة.
وهذا اختيار ابن تيمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: تنازع العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه وفيه ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد وغيره أعدلها أنه يباح للمحتاج.
أ- استدلوا بأدلة الفريقين وجمعوا بينهما، فقيدوا الجواز بالحاجة ومنعوه في غير الحاجة.
ب- واستدلوا بأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، والحاجة للتعليم حاجة عامة للصغار والكبار.
ج-القياس على ولي اليتيم.
قال ابن تيمية: كما أذن الله لولي اليتيم أن يأكل مع الفقر ويستغني مع الغنى.
د- أن الإنفاق على الأهل واجب، فمن عجز عن التكسب في حال تعليمه فيجوز له أخذ الأجرة لوجوب النفقة عليه إن لم نقل بالوجوب.
قال ابن تيمية: وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُحْتَاجِ وَغَيْرِهِ - وَهُوَ أَقْرَبُ - قَالَ: الْمُحْتَاجُ إذَا اكْتَسَبَ بِهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَنْوِيَ عَمَلَهَا لِلَّهِ وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى الْعِبَادَةِ؛ فَإِنَّ الْكَسْبَ عَلَى الْعِيَالِ وَاجِبٌ أَيْضًا فَيُؤَدِّي الْوَاجِبَاتِ بِهَذَا؛ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَسْبِ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُوهُ أَنْ يَعْمَلَهَا لِغَيْرِ اللَّهِ؛ بَلْ إذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَغْنَاهُ وَهَذَا فُرِضَ عَلَى الْكِفَايَةِ: كَانَ هُوَ مُخَاطَبًا بِهِ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ إلَّا بِهِ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ عَيْنًا.
وهذا القول هو الراجح.