للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابن رشد الحفيد: وجمهور العلماء على أن الديون تحلُّ بالموت، وقال ابن شهاب مضت السنة بأن دينه قد حلَّ حين مات.

وحجتهم أن الله تبارك وتعالى لم يبح التوارث إلا بعد قضاء الدين، فالورثة في ذلك بين أحد أمرين: إما أن لا يريدوا أن يؤخروا حقوقهم في المواريث إلى محل أجل الدين، فيلزم أن يجعل الدين حالاً، وإما أن يرضوا بتأخير ميراثهم حتى تحلَّ الديون، فتكون الديون حينئذ مضمونة في التركة خاصةً، لا في ذممهم.

وما ذكره ابن رشد عن ابن شهاب الزهري له تتمة: مضت السنة بأن دينه قد حلَّ حين مات، ولأنه لا يكون ميراثٌ إلا بعد قضاء الدين] ذكره مالك في المدونة.

ومن أدلة الجمهور أيضاً:

حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يُقضى عنه).

- فالميت معلقةٌ نفسه بالدَّين.

ولذلك قال بعض العلماء: هذا الحديث مشكلٌ عند أهل العلم في قوله (نفس المؤمن معلقة بدينه) وفي رواية (مرهونة بدينه). فقال طائفة من العلماء: يحبس عن النعيم ويحال بينه وبين النعيم حتى يُقضى دينه، فنفسه لا تتنعم إلا بعد قضاء دينه.

لأنه قال: (نفس المؤمن مرهونة) وأصل الرهن: الحبس، كما في قوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) أي: محبوسة.

فلما قال عليه الصلاة والسلام (نفس المؤمن مرهونة) دلَّ على أنها محبوسةٌ، وهي إما تحبس عن النعيم أو عن الفضل.

ولذلك كره العلماء الدَّين وشددوا فيه لهذا الحديث، فقالوا: إنه إذا كانت نفسه مرهونة، وماله موجوداً، والورثة لا يستحقون المال إلا بعد الدين، فالذي تطمئن إليه النفس أنه يجب عليهم أن يبادروا بسداد دينه ولو كان دينه مؤجلاً.

فلذلك الذي يظهر أن الميت تحل ديونه بالموت، وأنه يجب على ورثته أن يبادروا بسداد ديونه، خاصة مع قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) وقوله (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) وقوله (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) فهذه الآيات كلها صريحة بأن الدين مقدمٌ على حقوق الورثة، فإذا نظرنا إلى هذا فمعناه: أنه يجب علينا أن نبادر بسداد دين الميت؛ لأن هذا ماله وقد حلت ديونه، فينبغي أن يبادر بالأصلح والأوفر له؛ لأنه ليس ثَم مانع شرعي يمنع من هذا.

ونحن نقول: إن الدين المؤجل ليس من حق صاحب الدين أن يطالب المديون به؛ لأن الدين إذا كان صاحبه قد أخره عليك إلى نهاية السنة، فإن الرفق بك أن تنتظر إلى نهاية السنة، فمن مات الرفق به أن يعجل، فأصبحت المسألة بالموت عكسية. ولذلك جعل شرعاً الحق أن تطالب بتأخيره بناءً على الأجل، وإذا ثبت أن الحق أن تطالب بتأخيره بناءً على الأجل لمصلحة المديون فالعكس بالعكس في حال الوفاة. ومن هنا فإنه يجب على الورثة أن يبادروا بالسداد. (شرح زاد المستقنع للشنقيطي).

<<  <  ج: ص:  >  >>