والقول الثاني: يباح الأكل قائما، ولا يكره؛ وهو ظاهر مذهب الحنابلة، وقال به ابن حزم الظاهري.
لعدم ورود دليل على منع الأكل، والكراهة إنما وردت في الشرب.
وأما القياس فقالوا: إنه قياس مع الفارق بين الأكل والشرب، واحتمال الضرر فيه غير ظاهر.
قال المرداوي: قال صاحب الفروع: وظاهر كلامهم: لا يكره أكله قائما. ويتوجه أنه كالشرب. وقاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
قلت: إن قلنا: إن الكراهة في الشرب قائما لما يحصل له من الضرر، ولم يحصل مثل ذلك في الأكل: امتنع الإلحاق " انتهى من "الإنصاف.
وأما ما ورد عن أنس (ذاك أشر أو أخبث) فموقوف على أنس.
قال ابن حزم:"ولم يأت في الأكل نهي؛ إلا عن أنس من قوله.
قال النووي رحمه الله: مسألة: هل يكره الأكل والشرب قائمًا، وما الجواب عن الأحاديث في ذلك؟
الجواب: يكره الشرب قائمًا من غير حاجة، ولا يحرم.
وأما الأكل قائمًا فإن كان لحاجة: فجائز.
وإِن كان لغير حاجة: فهو خلاف الأفضل. ولا يقال: إِنه مكروه.
وثبت في صحيح البخاري من رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنهم كانوا يفعلونه، وهذا مقدم على ما في صحيح مسلم عن أنس: أنه كرهه.
وأما الشرب قائمًا ففي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عنه، وفي صحيح البخاري وغيره، أحاديثُ صحيحةٌ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله. فأحاديث النهي تدل لكراهة التنزيه، وأحاديث فعله تدل لعدم التحريم. " انتهى، من "فتاوى النووي"