قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: وأقرب شيء أن المعتبر: القيمة وقت المنع؛ وذلك لأنه ثابت في ذمته " عشرة فلوس " إلى أن مُنعت، يعني: قبل المنع بدقيقة واحدة لو طلبه لأعطى عشرة فلوس، ولكان الواجب على المقرض قبولها، فإذا كان كذلك: فإننا نقدرها وقت المنع. (الشرح الممتع)
فائدة:
جاءت الأحاديث النبوية بالتحذير من الدين، والاستعاذة بالله منه، والترغيب في القناعة والرضا باليسير، وأن ينظر المسلم في أمر دنياه إلى من هو دونه، ولا ينظر إلى من فوقه.
فروى النسائي (٤٦٠٥) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟ فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ رَجُلا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ) حسنه الألباني.
وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ: الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه الترمذي.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) رواه الترمذي.
وروى النسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ).
وروى أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ جَاهَدْتُ بِنَفْسِي وَمَالِي فَقُتِلْتُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَعَادَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ: (إِنْ لَمْ تَمُتْ وَعَلَيْكَ دَيْنٌ لَيْسَ عِنْدَكَ وَفَاؤُهُ) حسنه البوصيري.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (إِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ، فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ، وَآخِرَهُ حَرْبٌ) رواه مالك في الموطأ (٢/ ٧٧٠)
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ؟! فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ [أي: استدان] حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ) رواه البخاري ومسلم.
قال ابن عمر رضي الله عنهما (يا حمران! اتق الله ولا تمت وعليك دين، فيؤخذ من حسناتك، لا دينار ثَمَّ ولا درهم).
ولم يأت كل هذا التشديد في أمر الدين إلا لما فيه من المفاسد على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع.
قال القرطبي: قال علماؤنا: وإنما كان شينا ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال، والهم اللازم في قضائه، والتذلل للغريم عند لقائه، وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه، وربما يعد من نفسه القضاء فيخلف، أو يحدث الغريم بسببه فيكذب، أو يحلف له فيحنث، إلى غير ذلك، وأيضا فربما قد مات ولم يقض الدين فيرتهن به، كما قال عليه السلام: (نسمة المؤمن مرتهنة في قبره بدينه حتى يقضى عنه) رواه الترمذي ١٠٧٨ وكل هذه الأسباب مشائن في الدين تذهب جماله وتنقص كماله " انتهى.