القول الثاني: خطبة الحاجة " سنة مستحبة في أوائل المصنفات والمراسلات.
وهو قول الإمام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله (ت ٢٢٩ هـ).
هو ظاهر ما يذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد افتتح الكثير من رسائله بإحدى صيغ خطبة الحاجة الثابتة، وهي من الكثرة بحيث يشق حصرها، تجدها في " مجموع الفتاوى "، و " جامع الرسائل "، وكذلك كتبه " درء التعارض "، و" بيان تلبيس الجهمية "، و" الأخنائية ".
وكذلك العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله، افتتح كتبه " الطرق الحكمية "، و" الصلاة وأحكام تاركها " بهذه الخطبة.
يقول الطحاوي رحمه الله " ابتدأته - يعني كتابه - بما أمر -صلى الله عليه وسلم- بابتداء الحاجة به، مما قد روي عنه بأسانيد أنا ذاكرها بعد ذلك إن شاء الله، وهو: إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - وذكر الآيات الكريمات.
ويقول ابن تيمية رحمه الله: لهذا استُحبت - يعني خطبة الحاجة - وفعلت في مخاطبة الناس بالعلم عموماً وخصوصاً، من تعليم الكتاب والسنة والفقه في ذلك، وموعظة الناس ومجادلتهم، أن يفتتح بهذه الخطبة الشرعية النبوية، وكان الذي عليه شيوخ زماننا الذين أدركناهم وأخذنا عنهم وغيرهم يفتتحون مجلس التفسير أو الفقه في الجوامع والمدارس وغيرها بخطبة أخرى. مثل: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضي الله عنا وعنكم وعن مشايخنا وعن جميع المسلمين، أو وعن السادة الحاضرين وجميع المسلمين، كما رأيت قوما يخطبون للنكاح بغير الخطبة المشروعة، وكل قوم لهم نوع غير نوع الآخرين، فإن حديث ابن مسعود لم يخص النكاح، وإنما هي خطبة لكل حاجة في مخاطبة العباد بعضهم بعضاً، والنكاح من جملة ذلك، فإن مراعاة السنن الشرعية في الأقوال والأعمال في جميع العبادات والعادات هو كمال الصراط المستقيم، وما سوى ذلك إن لم يكن منهيا عنه فإنه منقوص مرجوح، إذ خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.