نعم سيأتي في أواخر الأشربة من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد – فذكر الرواية الأخيرة، ثم قال: –
فإن كانت القصة واحدة فلا يكون قوله في حديث الباب:(ألحقها بأهلها)، ولا قوله في حديث عائشة:(الحقي بأهلك) تطليقا، ويتعين أنها لم تعرفه.
وإن كانت القصة متعددة – ولا مانع من ذلك – فلعل هذه المرأة هي الكلابية التي وقع فيها الاضطراب. (الفتح).
ويذكر بعض أهل العلم أن سبب استعاذتها من النبي -صلى الله عليه وسلم- ما غرها به بعض أزواجه -صلى الله عليه وسلم-، حيث أوهموها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب هذه الكلمة، فقالتها رغبة في التقرب إليه، وهي لا تدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعيذها من نفسه بالفراق إن سمعها منه.
جاء ذلك من طرق ثلاثة:
الطريق الأولى:
يرويها ابن سعد في "الطبقات"(٨/ ١٤٣ - ١٤٨)، والحاكم في "المستدرك"(٤/ ٣٩)، من طريق محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف في الحديث.
والطريق الثانية:
يرويها ابن سعد في الطبقات (٨/ ١٤٤) بسنده عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: (الجونية استعاذت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقيل لها: هو أحظى لك عنده. ولم تستعذ منه امرأة غيرها، وإنما خدعت لما رؤي من جمالها وهيئتها، ولقد ذكر لرسول الله من حملها على ما قالت لرسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنهن صواحب يوسف.
الطريق الثالثة:
رواها ابن سعد أيضا في "الطبقات"(٨ م ١٤٥) قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب، عن أبيه، عن أبي صالح، عن بن عباس قال:(تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسماء بنت النعمان، وكانت من أجمل أهل زمانها وأشبهم، قال فلما جعل رسول الله يتزوج الغرائب قالت عائشة: قد وضع يده في الغرائب يوشكن أن يصرفن وجهه عنا. وكان خطبها حين وفدت كندة عليه إلى أبيها، فلما رآها نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- حسدنها، فقلن لها: إن أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه إذا دخل عليك. فلما دخل وألقى الستر مد يده إليها، فقالت: أعوذ بالله منك. فقال: أمن عائذ الله! الحقي بأهلك).
وروى أيضا قال: أخبرنا هشام بن محمد، حدثني ابن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد الساعدي، عن أبيه - وكان بدرياً – قال:(تزوج رسول الله أسماء بنت النعمان الجونية، فأرسلني فجئت بها، فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة: اخضبيها أنت وأنا أمشطها، ففعلن، ثم قالت لها إحداهما: إن النبي، -صلى الله عليه وسلم- يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول أعوذ بالله منك. فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مد يده إليها فقالت: أعوذ بالله منك. فتال بكمه على وجهه فاستتر به وقال: عذت معاذاً، ثلاث مرات. قال أبو أسيد ثم خرج علي فقال: يا أبا أسيد ألحقها بأهلها ومتعها برازقيتين، يعني كرباستين، فكانت تقول: دعوني الشقية).