قال الصنعاني في شرح حديث الباب: وفي الحديث دليل على وجوب الأكل باليمين للأمر به أيضاً، ويزيده تأكيداً أنه -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وفعل الشيطان يحرم على الإنسان ويزيده تأكيداً أن رجلا أكل عنده -صلى الله عليه وسلم- بشماله فقال: "كل بيمينك" فقال: لا أستطيع قال: "لا استطعت ما منعه إلا الكبر" فما رفعها إلى فيه، أخرجه مسلم، ولا يدعو -صلى الله عليه وسلم- إلا على من ترك الواجب، وأما كون الدعاء لتكبره فهو محتمل أيضاً، ولا ينافي أن الدعاء عليه للأمرين معاً. (سبل السلام)
القول الثاني: أن الأكل باليمين مستحب لا واجب.
وهذا مذهب الجمهور.
فهو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، اختاره ابن المنذر.
استدلوا بما سبق من أدلة القول الأول وحملوا الأمر بالأكل باليمين على الاستحباب والندب، والنهي عن الأكل بالشمال على الكراهة والتنزيه؛ لأن الصارف لذلك هو قصد الإرشاد والأدب والفضيلة.
قال أبو العباس القرطبي: هذا الأمر على جهة الندب، لأنه من باب تشريف اليمن على الشمال، لأنها أقوى في الغالب، وأسبق للأعمال، وأمكن في الأشغال، ثم هي مشتقة من اليُمن والبركة، وقد شرف الله تعالى أهل الجنة بأن نسبهم إليها كما ذم أهل النار حين نسبهم إلى الشمال، وعلى الجملة: فاليمين وما نسب إليها، وما اشتق منها محمود لساناً، وشرعاً، ودنيا، وآخرة. والشمال على النقيض من ذلك … ، وإذا كان هذا، فمن الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق، والسيرة الحسنة عند الفضلاء اختصاص اليمين بالأعمال الشريفة، والأحوال النظيفة، وإن احتيج في شيء منها إلى الاستعانة بالشمال فبحكم التبعية. وأما إزالة الأقذار والأمور الجسيمة فبالشمال لما يناسبها من الحقارة، والاسترذال.
وأجاب الجمهور عن أدلة من قال بالوجوب:
قالوا: وأما التشبيه بالشيطان فلا يفيد الحرمة، فقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن المجلس بين الظل والشمس مجلس الشيطان. رواه أحمد. وأخبرنا -صلى الله عليه وسلم- في أمر القيلولة بقوله: قيلوا فإن الشيطان لا يقيل. رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني بتعدد طرقه وإن ضعفه غيره.
وفي سنن ابن ماجه: وليعط بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله. قال المنذري: إسناده صحيح. وصححه المناوي، والجماهير من العلماء على عدم وجوب القيلولة، وعدم وجوب المناولة باليمين، إلى غير ذلك.
وأما حديث الباب (سلمة بن الأكوع) فأجابوا عنه:
أولاً: قيل إن الرجل منافق، بدليل رده أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبرًا واستعلاءً. جزم بذلك القاضي عياض.
ثانياً: وقيل أن الدعاء عليه لمخالفة الحكم الشرعي عمومًا. جزم بذلك الإمام النووي.
وقيل: أن الدعاء عليه لكبره. قال المناوي في فيض القدير: ودعاؤه على الرجل إنما هو لكبره الحامل له على ترك الامتثال، كما هو مبين.