القول الثاني: أنه يلزم قضاء القاضي.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
لحديث ابن عمر وفيه (ثم فرّق بينهما).
والراجح الأول.
قال ابن قدامة: وهل يعتبر تفريق الحاكم بينهما؟ فيه روايتان:
إحداهما، أنه معتبر فلا تحصل الفرقة حتى يفرق الحاكم بينهما.
وهو ظاهر كلام الخرقي، وقول أصحاب الرأي؛ لقول ابن عباس في حديثه: ففرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما، وهذا يقتضي أن الفرقة لم تحصل قبله.
وفي حديث عويمر، قال: كذبت عليها يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يقتضي إمكان إمساكها، وأنه وقع طلاقه، ولو كانت الفرقة وقعت قبل ذلك، لما وقع طلاقه، ولا أمكنه إمساكها.
ولأن سبب هذه الفرقة يقف على الحاكم، فالفرقة المتعلقة به لم تقع إلا بحكم الحاكم، كفرقة العنة.
والرواية الثانية، تحصل الفرقة بمجرد لعانهما.
وهي اختيار أبي بكر، وقول مالك، وأبي عبيد، عنه وأبي ثور، وداود، وزفر، وابن المنذر.
وروي ذلك عن ابن عباس؛ لما روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: المتلاعنان يفرق بينهما، ولا يجتمعان أبدا، رواه سعيد.
ولأنه معنى يقتضي التحريم المؤبد، فلم يقف على حكم الحاكم، كالرضاع.
ولأن الفرقة لو لم تحصل إلا بتفريق الحاكم، لساغ ترك التفريق إذا كرهاه، كالتفريق للعيب والإعسار، ولوجب أن الحاكم إذا لم يفرق. (المغني).
وقال النووي: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا تَحْصُل الْفُرْقَة إِلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِهَا بَعْد التَّلَاعُن، لِقَوْلِهِ: (ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنهمَا) وَقَالَ الْجُمْهُور: لَا تَفْتَقِر إِلَى قَضَاء الْقَاضِي لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- (لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا) وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى (فَفَارَقَهَا).