للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

- وقد اختلف العلماء ما الذي يوجبه قتل الغيلة على قولين:

القول الأول: القصاص أو الدية، على حسب اختيار أولياء المقتول. (كغيره من أنواع القتل).

وهذا قول الجمهور.

ورجحه: وابن قدامة، وابن حزم، ومن وافقهم من أهل العلم.

واستدلوا بعموم الأدلة على شرعية القصاص التي لم تفرق فيها بين قتل الغيلة وغيره.

القول الثاني: القتل، ويرجع فيه إلى السلطان.

وهذا قول المالكية، واختيار ابن تيمية.

قال ابن القيم: قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حداً، فلا يسقطه العفو، ولا تعتبر فيه المكافأة، قال أيضا: وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد، اختاره شيخنا وأفتى به.

أ-لقوله تعالى (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُواْ).

وجه الدلالة: أن هذه الآية أثبتت عدم جواز العفو عمن حارب الله ورسوله، وقتل الغيلة نوع من الحرابة فلا يدخله العفو.

ب- لحديث أنس أنه قال (لما قدم رهط من عرينة وعكل على النبي -صلى الله عليه وسلم- اجتووا المدينة، فشكوا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: لو خرجتم إلى إبل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها ففعلوا، فلما صحوا عمدوا إلى الرعاة فقتلوهم، واستاقوا الإبل، وحاربوا الله ورسوله، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آثارهم، فأخذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم وألقاهم في الشمس حتى ماتوا) متفق عليه

وجه الدلالة: أن هؤلاء قتلوا الراعي غيلة، ولهذا اقتص منهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يأخذ برأي أولياء الراعي هل يقتصون أو يعفون عنهم.

قال ابن القيم: وهذا الحديث- أيضاً- يدل على أن قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حدا، فلا يسقطه العفو، ولا تعتبر فيه المكافأة.

ج- وعنه. (أن يهودياً رض رأس جارية بين حجرين على أوضاح لها أو حلي فأخذ واعترف، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرض رأسه بين حجرين) متفق عليه.

قال ابن القيم في أثناء الكلام على فقه هذا الحديث- قال: وإن قتل الغيلة لا يشترط فيه إذن الولي، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يدفعه إلى أوليائها، ولم يقل: إن شئتم فاقتلوه، وإن شئتم فاعفوا عنه، بل قتله حتماً.

وأورد رحمه الله اعتراضاً وأجاب عنه، فقال: ومن قال: إنه فعل ذلك لنقض العهد لم يصح، فإن ناقض العهد لا يرض رأسه بالحجارة، بل يقتل بالسيف.

د- وأما المعنى: فإن قتل الغيلة حق لله، وكل حق تعلق به حق الله تعالى فلا عفو فيه، كالزكاة وغيرها، لأنه يتعذر الاحتراز منه، كالقتل مكابرة.

هـ- أن قتل الغيلة يصعب الاحتراز منه، فهو كالقتل في الحرابة وقطع الطريق.

والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>