ويضمن الطبيب ما يتلفه من نفس أو أعضاء في الحالات الآتية:
أولاً: المتعدي العامد.
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله:
وبتعمد الطبيب للقتل، والقطع للعضو بقصد الضرر: خرج عن كونه طبيباً إلى كونه ظالماً معتدياً، وأصبح وصفه بكون طبيباً لا تأثير له؛ لخروجه بتلك الجناية عن حدود الطب مع قصدها.
وهذا الأثر قلَّ أن يوجد عند الأطباء؛ لما عُرف عنهم من الحرص على نفع مرضاهم، وهم محل حسن الظن، ولذلك نجد الفقهاء رحمهم الله يعتبرون هذا الأصل فيهم، ومن ثم قال بعضهم عند بيانه لعلة إسقاط القصاص عن الطبيب إذا قصَّر: "
الأصل عدم العداء إن ادعِيَ عليه بذلك. (أحكام الجراحة الطبية).
ثانياً: المعالج الجاهل.
وهو بجهله يعدُّ متعديّاً، والحديث السابق نصٌّ في أنه يضمن.
قال ابن القيم: وأما الأمر الشرعي: فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل، فإذا تعاطى علم الطب، وعمله، ولم يتقدم له به معرفة: فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه، فيكون قد غرر بالعليل، فيلزمه الضمان لذلك.
قال الخطابي: لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدَّى فتلف المريض كان ضامناً، والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه: متعدٍّ، فإذا تولد من فعله التلف: ضمن الدية، وسقط عنه القَوَد [القصاص]؛ لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض. (زاد المعاد).
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أما إذا لم يكن حاذقاً: فلا يحل له مباشرة العملية، بل يحرم، فإن أجراها: ضمن ما أخطأ فيه وسرايته. (الفتاوى).
وهذا الضمان من الطبيب الجاهل المتعدي يكون حيث لا يعلم المريض أن الطبيب يجهل الطب والعلاج، فإن علِم أنه جاهل ورضي به معالِجاً: سقط حقه، ولم يضمن الطبيب، مع استحقاقهما للتعزير.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: إن كان المريض يعلم منه أنه جاهل لا علم له بالطب، وأذن له في معالجته مقدماً على ما يحصل منه، وهو بالغ، عاقل: فلا ضمان على الطبيب في هذه الحالة. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (٨/ ١٠٤)
ثالثاً: الطبيب الماهر الذي أخطأت يدُه.
ويضمن الطبيب الماهر إذا أخطأت يده فأتلفت عضواً صحيحاً، أو مات المريض بسبب ذلك الخطأ.
قال ابن المنذر رحمه الله: وأجمعوا على أن قطع الخاتن إذا أخطأ، فقطع الذَّكر، والحشفة، أو بعضها: فعليه ما أخطأ به، يعقله عنه العاقلة. (الإجماع).
العاقلة: هي ما يسمى الآن "العائلة"، والمراد هنا: الأقارب الذكور الذين ينتسبون إلى نفس العائلة، كالأب والجد والابن والإخوة والأعمام وأبنائهم.