وقال شارح الطحاوية: أما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل.
وقال ابن رجب: وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم.
- وجوب الصبر على ظلم الولاة وعدم الخروج عليهم، وذلك لسببين:
الأول: لما ينتج من ذلك من فساد كبير وفتنة عظيمة.
ثانياً: أن أكثر من يخرج عن ولاة الأمور إنما يخرجون لأجل الدنيا لا لله.
وقال رحمه الله أيضاً: ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة، أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا يدفع أعظم الفسادَيْن بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته.
وقال رحمه الله: والإسلام جاء بالعلم النافع والعمل الصالح، بمعرفة الحق وقصده، فيتفق أن بعض الولاة يظلم باستئثارٍ فلا تصبر النفوس على ظلمة، ولا يمكنها دفع ظلمة إلا بما هو أعظم فساداً منه، ولكن لأجل محبة الإنسان لأخذ حقه ودفع الظلم عنه، لا ينظر في الفساد العام الذي يتولد عن فعله، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (إنكم ستلقون بعدي أثرة فأصبروا حتى تلقوني على الحوض). وفي الصحيح من حديث أنس بن مالك وأسيد بن حضير (أن رجلاً من الأنصار قال: يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلاناً؟ قال: ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض).