وأجاب هؤلاء عن حديث الباب بأجوبة؟
أولاً: أنه منسوخ.
قال النووي: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَل بِشُرْبِهَا، وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ هَكَذَا حَكَى الْإِجْمَاع فِيهِ التِّرْمِذِيّ وَخَلَائِق، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - عَنْ طَائِفَة شَاذَّة أَنَّهُمْ قَالُوا: يُقْتَل بَعْد جَلْده أَرْبَع مَرَّات، لِلْحَدِيثِ الْوَارِد فِي ذَلِكَ، وَهَذَا الْقَوْل بَاطِل مُخَالِف لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدهمْ، عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَل وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ أَكْثَر مِنْ أَرْبَع مَرَّات، وَهَذَا الْحَدِيث مَنْسُوخ، قَالَ جَمَاعَة: دَلَّ الْإِجْمَاع عَلَى نَسْخه، وَقَالَ بَعْضهمْ: نَسَخَهُ قَوْله -صلى الله عليه وسلم-: لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث: النَّفْس بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّب الزَّانِي، وَالتَّارِك لِدِينِهِ الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَة. (نووي).
قال الشافعي: القتل منسوخ بهذا الحديث وغيره، وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمته.
قال ابن حجر عن حديث - عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ - قال: وفيه ما يدل على نسخ الأمر الوارد بقتل شارب الخمر إذا تكرر منه إلى الرابعة أو الخامسة، فقد ذكر ابن عبد البر أنه أتى به أكثر من خمسين مرة.
القول الثاني: أن للحاكم أن يقتله تعزيراً لا حداً إذا رأى المصلحة في ذلك.
وهذا اختيار ابن تيمية.
قال رحمه الله: لكن نسخ الوجوب لا يمنع الجواز فيجوز أن يقال: يجوز قتله إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك.
• هل يجب الحد على من شرب قليلاً من المسكر؟
قال ابن قدامة: أنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ شَرِبَ قَلِيلًا مِنْ الْمُسْكِرِ أَوْ كَثِيرًا.
وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا فِي ذَلِكَ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَائِرِهَا، فَذَهَبَ إمَامُنَا إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَكُلِّ مُسْكِرٍ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَتَادَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُحَدُّ، إلَّا أَنْ يَسْكَرَ؛ مِنْهُمْ أَبُو وَائِلٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: مَنْ شَرِبَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ حُدَّ، وَمَنْ شَرِبَهُ مُتَأَوِّلًا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ بِلَا وَلِيٍّ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، فَيَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ.
وَلِأَنَّهُ شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ، فَوَجَبَ الْحَدُّ بِقَلِيلِهِ، كَالْخَمْرِ.
وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَدِّ فِيهَا؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهَا. (المغني).