ولفظ البخاري: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ: لَا أَجِدُهُ قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ، وَلَا تَفْتُرَ وَتَصُومَ، وَلَا تُفْطِرَ قَالَ، وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ).
قال النووي: قَوْله -صلى الله عليه وسلم- (مَثَل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ الصَّائِم الْقَائِم الْقَانِت بِآيَاتِ اللَّه … إِلَى آخِره) مَعْنَى الْقَانِت هُنَا: الْمُطِيع. وَفِي هَذَا الْحَدِيث عَظِيم فَضْل الْجِهَاد؛ لِأَنَّ الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْقِيَام بِآيَاتِ اللَّه أَفْضَل الْأَعْمَال، وَقَدْ جَعَلَ الْمُجَاهِد مِثْل مَنْ لَا يَفْتُر عَنْ ذَلِكَ فِي لَحْظَة مِنْ اللَّحَظَات، وَمَعْلُوم أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ، وَلِهَذَا قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَسْتَطِيعُونَهُ" وَاللَّهُ أَعْلَم. (نووي)
خامساً: للمجاهدين مائة درجة في الجنة.
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) رواه البخاري.
سادساً: الجهاد سبب للنجاة من النار.
عن أَبي عَبْس. أن رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ) رواه البخاري.
وفي لفظ (مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ).
(ما اغبرت) جاء عند أحمد (ساعة من نهار)، (في سبيل الله) لا من أجل وطنية أو قبلية أو رياء.
قال الحافظ ابن حجر: وفي ذلك إشارة إلى عظم قدر التصرف في سبيل الله، فإذا كان مجرد مسّ الغبار للقدم يحرم عليها النار، فكيف بمن سعى وبذل جهده واستنفذ وسعه؟.
سابعاً: من أسباب دخول الجنة.
قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).
عن أبَي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلاَّ إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ) متفق عليه.
وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى. قال: قال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوف) متفق عليه.
والمعنى: … وَالسَّبَب الْمُوَصِّل إِلَى الْجَنَّة عِنْد الضَّرْب بِالسُّيُوفِ فِي سَبِيل اللَّه، وَمَشْي الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه، فَاحْضُرُوا فِيهِ بِصِدْقِ وَاثْبُتُوا.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ أَبْوَاب الْجَنَّة تَحْت ظِلَال السُّيُوف) قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ: إِنَّ الْجِهَاد وَحُضُور مَعْرَكَة الْقِتَال طَرِيق إِلَى الْجَنَّة وَسَبَب لِدُخُولِهَا.
قال القرطبي: قوله ( … الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوف) هذا الكلام من النفيس البديع الذي جمع ضروب البلاغة مع جزالة اللفظ وعذوبته وحسن استعارته، وشمول المعاني الكثيرة مع الألفاظ المقبولة الوجيزة بحيث يعجز الفصحاء اللسن البلغاء عن إيراد مثله، وأن يأتوا بنظيره وشكله، فإنه استفيد منه مع وجازته الحض على الجهاد والإخبار بالثواب عليه.