للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ (قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَمْسِكْ عَلَيْك بَعْضَ مَالِكَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَبِي دَاوُد (يُجْزِئُ عَنْك الثُّلُثُ).

القول الثاني: أنه يتصدق بجميع ماله.

وَهذا قول الشَّافِعِيُّ.

لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ).

وَلِأَنَّهُ نَذْرُ طَاعَةٍ، فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، كَنَذْرِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.

قال الشنقيطي: الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ جَمِيعَ مَالِهِ لِلَّهِ لِيُصْرَفَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَنَّهُ يَكْفِيهِ الثُّلُثُ وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُ الْجَمِيعِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْعُلَمَاءِ عَشَرَةُ مَذَاهِبَ أَظْهَرُهَا عِنْدَنَا: هُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَيَلِيهِ فِي الظُّهُورِ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ كُلُّهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالنَّخَعِيِّ.

ثم ذكر -رحمه الله- حديث كعب (إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) ثم قال: فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّ كَعْبًا غَيْرُ مُسْتَشِيرٍ بَلْ مُرِيدُ التَّجَرُّدِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ وَالتَّوْبَةِ، كَمَا فِي تَرْجَمَةِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَمَرَهُ -صلى الله عليه وسلم- بِأَنْ يُمْسِكَ بَعْضَ مَالِهِ، وَصَرَّحَ لَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ الْبَعْضَ الَّذِي يُمْسِكُهُ بِالثُّلُثَيْنِ، وَأَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهِ، فَيَسْتَدِلُّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى إِيفَائِهِ بِنَذْرِهِ، وَلَوْ أَتَى عَلَى كُلِّ الْمَالِ، إِلَّا أَنَّ دَلِيلَ مَا قَبْلَهُ أَخَصُّ مِنْهُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَالْأَخَصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَعَمِّ.

فائدة:

قال ابن قدامة رحمه الله: وإذا نذر الصدقة بمعيّن من ماله أو بمقدّر، كألف، فروي عن أحمد أنه يجوز ثلثه؛ لأنه مالٌ نَذَرَ الصدقة به، فأجزأه ثلثه، كجميع المال. والصحيح في المذهب لزوم الصدقة بجميعه؛ لأنه منذور، وهو قربة، فيلزمه الوفاء به، كسائر المنذورات، ولعموم قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ).

وإنما خولف هذا في جميع المال للأثر فيه، ولما في الصدقة بجميع المال من الضرر اللاحق به، اللهم إلا أن يكون المنذور هاهنا يستغرق جميع المال، فيكون كنذر ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>