قال ابن القيم: القول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
أ- لقوله تعالى ( … ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ).
وجه الاستدلال: أنّ الله تعالى ذكر الاعتكاف إثر الصوم فوجب أن لا يكون الاعتكاف إلا بصوم.
ب- لقول عائشة: (من السنة … ولا اعتكاف إلا بصوم).
جما روته عائشة مرفوعاً (لا اعتكاف إلا بصوم) رواه الدارقطني.
القول الثاني: لا يشترط الصوم للاعتكاف.
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
أ-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكف العشر الأول من شوال.
فعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ أَرَادَ الاِعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْفَجْرَ نَظَرَ فَإِذَا الأَخْبِيَةُ فَقَالَ «آلْبِرَّ تُرِدْنَ». فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الاِعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ في الْعَشْرِ الأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ) رواه مسلم.
قال البغوي: وفي اعتكافه في أوَّل شوال دليلٌ على أنّ الصوم ليس بشرط لصحة الاعتكاف؛ لأنّ يوم العيد غير قابل للصوم.
ب-ولحديث الباب ( … أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك).
والليل ليس محلاً للصوم، ولو كان الصوم شرطاً لما صح اعتكاف الليل؛ لأنه لا صيام فيه.
قال الخطابي: وفيه دليل على أنّ الاعتكاف جائز بغير صوم؛ لأنه كان نذرَ اعتكافَ ليلة، والليل ليس بمحل للصوم.
وهذا الحديث أيضًا قد بوّب له ابن خزيمة بقوله: باب الخبر الدال على إجازة الاعتكاف بلا مقارنة للصوم، إذ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمر باعتكاف ليلة، ولا صوم في الليل.
ج- حديث ابن عَبَّاسٍ - أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (لَيْسَ عَلَى اَلْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ) وتقدم أنه ضعيف.