للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال الإمام أحمد: لا بد للناس من حاكم، أتذهب حقوق الناس؟

فائدة:

قال ابن قدامة: وَالنَّاسُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

مِنْهُمْ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ فِيهِ:

وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ، وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ شُرُوطُهُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ (الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ ذَكَرَ مِنْهُمْ رَجُلًا قَضَى بَيْنَ النَّاسَ بِجَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ).

وَلِأَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَدْلِ فِيهِ، فَيَأْخُذُ الْحَقَّ مِنْ مُسْتَحَقِّهِ وَيَدْفَعُهُ إلَى غَيْرِهِ.

وَمِنْهُمْ، مَنْ يَجُوزُ لَهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ:

وَهُوَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ وَالِاجْتِهَادِ، وَيُوجَدُ غَيْرُهُ مِثْلُهُ، فَلَهُ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ بِحُكْمِ حَالِهِ وَصَلَاحِيَتِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الدُّخُولُ فِيهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ وَالْغَرَرِ، وَفِي تَرْكِهِ مِنْ السَّلَامَةِ، وَلِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ التَّشْدِيدِ وَالذَّمِّ، وَلِأَنَّ طَرِيقَةَ السَّلَفِ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَالتَّوَقِّي، وَقَدْ أَرَادَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوْلِيَةَ ابْنِ عُمَرَ الْقَضَاءَ فَأَبَاهُ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ رَجُلًا خَامِلًا، لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا يُعْرَفُ فَالْأَوْلَى لَهُ تَوَلِّيهِ، لِيُرْجَعَ إلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ، وَيَقُومَ بِهِ الْحَقُّ، وَيَنْتَفِعَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فِي النَّاسِ بِالْعِلْمِ، يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْفَتْوَى، فَالْأَوْلَى الِاشْتِغَالُ بِذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ مَعَ الْأَمْنِ مِنْ الْغَرَرِ.

وَنَحْوَ هَذَا قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالُوا أَيْضًا: إذَا كَانَ ذَا حَاجَةٍ، وَلَهُ فِي الْقَضَاءِ رِزْقٌ، فَالْأَوْلَى لَهُ الِاشْتِغَالُ بِهِ، فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْمَكَاسِبِ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ طَلَبُهُ، وَالسَّعْيُ فِي تَحْصِيلِهِ:

لِأَنَّ أَنَسًا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ (مَنْ ابْتَغَى الْقَضَاءَ، وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ، وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ؛ فَإِنَّك إنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>