وبما روي عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ كَانَ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَا تَلْقَى قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ) أخرجه أبو داود.
ولحديث الباب (إِنْ كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ فَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ).
وقالوا أن هذا الحديث دل بمفهومه على عدم وجوب احتجابها منه إذا لم يكاتب ولم يجد مال الكتابة.
قال ابن العربي في "أحكام القرآن" وأطلق علماؤنا المتأخرون القول بأن غلام المرأة في ذوي محارمها يحل منها ما يحل لذي المحرم، وهو صحيح في القياس " انتهى
وقال المرداوي في الإنصاف: " والصحيح من المذهب (أي الحنبلي) أن للعبد النظر من مولاته إلى ما ينظر إليه الرجل من ذوات محارمه " انتهى.
القول الثاني: أن المرأة يجب أن تحتجب أمام مملوكها وأنه لا يجوز له النظر إليها.
وإلى هذا ذهب فريق من العلماء منهم جمهور السلف كابن مسعود ومجاهد وعطاء والحسن وابن سيرين وطاووس وسعيد بن المسيب والشعبي وهو قول أبي حنيفة وأحمد والشافعي في رواية.
واستدلوا بعموم الأدلة على منع الرجال من النظر إلى النساء، ووجوب احتجاب المرأة منهم.
وقالوا: إن العبيد رجال فحول والشهوةُ متحققة فيهم، وهم ليسوا أزواجًا ولا محارم، بل أجانب؛ فحرمة زواج المرأة من مملوكها لا تجعله محرمًا لها؛ لأن هذه الحرمة ليست على التأبيد وإنما هي حرمة مؤقتة عارضة بسبب الرق؛ بدليل أنه يجوز له أن يتزوجها إن تحرر؛ ومن ثم فلا يحل للعبد النظر إلى مولاته، ولا يجوز لها التكشف وإبداء الزينة أمامه.
وتأولوا آية سورة النور بأنها في حق الإماء الإناث فقط دون الذكور، واستدلوا بما روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: " لا تغرنكم آية النور فإنما عني بها الإماء، ولم يعن بها العبيد.
قال الجصاص في " أحكام القرآن ": " قال ابن مسعود ومجاهد والحسن وابن سيرين وابن المسيب: إن العبد لا ينظر إلى شعر مولاته، وهو مذهب أصحابنا، إلا أن يكون ذا محرم.
وتأولوا قوله: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) على الإماء؛ لأن العبد والحر في التحريم سواء، فهي وإن لم يجز لها أن تتزوجه وهو عبدها، فإن ذلك تحريم عارض كمن تحته امرأة أختها محرمة عليه ولا يبيح له ذلك النظر إلى شعر أختها، وكمن عنده أربع نسوة سائر النساء محرمات عليه في الحال ولا يجوز له أن يستبيح النظر إلى شعورهن، فلما لم يكن تحريمها على عبدها في الحال تحريمًا مؤبدًا كان العبد بمنزلة سائر الأجنبيين.