قال القرطبي: وظاهر هذا الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال.
وإليه ذهب ابن عمر، ومالك، والجمهور.
وقد ذهب بعض العلماء: إلى أن ذلك كان في أول الإسلام؛ لأنَّ ذلك كان حال المنافقين، فيتناجى المنافقون دون المؤمنين، فلما فشا الاسلام؛ سقط ذلك.
وقال بعضهم: ذلك خاصٌّ بالسفر، وفي المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه. فأمَّا في الحضر، وبين العمارة: فلا.
قلت: وكل ذلك تحكُّم، وتخصيصٌ لا دليل عليه. والصحيح: ما صار إليه الجمهور. والله تعالى أعلم بحقائق الأمور. (المفهم)
وقال النووي: وَمَذْهَب اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمَالِك وَأَصْحَابنَا وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّ النَّهْي عَامّ فِي كُلّ الْأَزْمَان، وَفِي الْحَضَر وَالسَّفَر.
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: إِنَّمَا الْمَنْهِيّ عَنْهُ الْمُنَاجَاة فِي السَّفَر دُون الْحَضَر، لِأَنَّ السَّفَر مَظِنَّة الْخَوْف.
وَادَّعَى بَعْضهمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث مَنْسُوخ وَأَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام، فَلَمَّا فَشَا الْإِسْلَام، وَأَمِنَ النَّاس سَقَطَ النَّهْي. وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِيُحْزِنُوهُمْ. أَمَّا إِذَا كَانُوا أَرْبَعَة، فَتَنَاجَى اِثْنَانِ دُون اِثْنَيْنِ فَلَا بَأْس بِالْإِجْمَاعِ. وَاللَّه أَعْلَم. (شرح مسلم).
هل دخول الحزن على المسلم منهي عنه؟
نعم، فلا يجوز إدخال الحزن على المسلم، لأن ذلك يفرح الشيطان.
قال تعالى (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ).
ماذا يستثنى من النهي الوارد في الحديث؟
يستثنى مسائل:
المسألة الأولى: إذا تناجى الاثنان بإذن الثالث، فأذن لهم جاز.
لما روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ، إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُه).
المسألة الثانية: إذا كان العدد أكثر من ثلاثة، فيجوز أن يتناجى اثنان دون البقية.
لما روى أبو داود، وفيه: قَالَ أَبُو صَالِحٍ، فَقُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: فَأَرْبَعَةٌ؟ قَالَ: (لَا يَضُرُّك).
قال النووي: أَمَّا إِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً فَتَنَاجَى اِثْنَانِ دُونَ اِثْنَيْنِ، فَلَا بَأْسَ بِالْإِجْمَاعِ " انتهى.