للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن كثير: يقول تعالى آمرًا بالاقتصاد في العيش ذامّا للبخل ناهيًا عن السَّرَف (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ) أي: لا تكن بخيلاً منوعًا، لا تعطي أحدًا شيئًا، كما قالت اليهود عليهم لعائن الله (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) أي نسبوه إلى البخل، تعالى وتقدس الكريم الوهاب، وقوله (وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) أي: ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك، فتقعد ملومًا محسورًا.

وهذا من باب اللف والنشر أي: فتقعد إن بخلت ملومًا، يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك، ومتى بسطت يدك فوق طاقتك، قعدت بلا شيء تنفقه، فتكون كالحسير، وهو: الدابة التي قد عجزت عن السير، فوقفت ضعفًا وعجزًا فإنها تسمى الحسير. (ابن كثير).

المبذرين إخوان الشياطين.

قال تعالى (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا).

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ (فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ وَفِرَاشٌ لاِمْرَأَتِهِ وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ) رواه مسلم.

قال النووي: قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَة فَاِتِّخَاذه إِنَّمَا هُوَ لِلْمُبَاهَاةِ وَالِاخْتِيَال وَالِالْتِهَاء بِزِينَةِ الدُّنْيَا، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَة فَهُوَ مَذْمُوم، وَكُلّ مَذْمُوم يُضَاف إِلَى الشَّيْطَان؛ لِأَنَّهُ يَرْتَضِيه، وَيُوَسْوِس بِهِ، وَيُحَسِّنهُ، وَيُسَاعِد عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَلَى ظَاهِره، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَة. (شرح مسلم).

ولأن الشيطان لا يدعو إلا إلى خصلة ذميمة، إما البخل والإمساك، فإن عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير.

وقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى عدم الإسراف:

فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَة).

وحذَّر من الإسراف في الطعام والشراب مبيناً الحدود المعقولة والمقبولة من ذلك.

فعَنْ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِه).

والإسراف هو إضاعة للمال، والله يكره إضاعة المال.

فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُول (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَال).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا يحبُّ اللهَ إضاعةَ المالَ، ولا كثرةَ السؤالِ، ولا قِيْلَ وقَال).

فالله لا يحب المسرفين، لأنه يضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>