وقد تكون التوبة موجبة له من الحسنات ما لا يحصل لمن يكن مثله تائباً من الذنب، كما في الصحيحين من حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه- وهو أحد الثلاثة الذين أنزل الله فيهم (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) ثم قال (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، وإذا ذكر حديث كعب في قضية تبين أن الله رفع درجته بالتوبة. ٢/ ٤٣١ - ٤٣٣
وقال ابن القيم في طريق الهجرتين مبيناً الحكمة في ذلك:
السابع: مشهد الحكمة:
هو أن يشهد حكمة الله في تخليته بينه وبين الذنب، وإقداره عليه، وتهيئته أسبابه له، وأنه لو شاء لعصمه، وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة، لا يعلم مجموعها إلا الله:
أحدها: أنه يحب التَّوابين ويفرح بتوبتهم، فلمحبته للتوبة وفرحه بها، قضى على عبده بالذنب، ثم إذا كان ممن سبقت له العناية: قضى له بالتوبة.
الثاني: تعريف العبد عزة الله سبحانه في قضائه ونفوذ مشيئته وجريان حكمه.
الثالث: تعريفه حاجته إلى حفظه وصيانته، وأنه إن لم يحفظه ويصنه فهو هالك ولا بد، والشياطين قد مدت أيديها إليه تمزقه كل ممزق.
الرابع: استجلابه من العبد استعانته به، واستعاذته به من عدوه، وشر نفسه، ودعاءه، والتضرع إليه، والابتهال بين يديه.
الخامس: إرادته من عبده تكميل مقام الذل والانكسار، فإنه متى شهد صلاحه واستقامته، شمخ بأنفه وظن أنه وأنه .. فإذا ابتلاه بالذنب: تصاغرت عنده نفسه، وذلّ، وتيقن، وتمنى أنه وأنه.
السادس: تعريفه بحقيقة نفسه، وأنها الخطاءة الجاهلة، وأن كل ما فيها من علم أو عمل أو خير: فمن الله، منَّ به عليه، لا من نفسه.
السابع: تعريفه عبده سعة حلمه، وكرمه في ستره عليه، فإنه لو شاء لعاجله على الذنب، ولهتكه بين عباده، فلم يَصْفُ له معهم عيش.
الثامن: تعريفه أنه لا طريق إلى النجاة إلا بعفوه، ومغفرته.
التاسع: تعريفه كرمه في قبول توبته، ومعرفته له، على ظلمه وإساءَته.
العاشر: إقامة الحجة على عبده، فإن له عليه الحجة البالغة، فإن عذبته فبعدله وببعض حقه عليه بل اليسير منه.
الحادي عشر: أن يعامل عباده في إساءتهم إليه وزلاتهم معه، بما يحب أن يعامله الله به، فإن الجزاء من جنس العمل، فيعمل في ذنوب الخلق معه، ما يحب أن يصنعه الله بذنوبه.