وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْحَسَدُ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي السَّمَاءِ، يَعْنِي حَسَدَ إبْلِيسَ لِآدَمَ -عليه السلام-، وَأَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، يَعْنِي حَسَدَ ابْنِ آدَمَ لِأَخِيهِ حَتَّى قَتَلَهُ.
وَقَدْ قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ فِي خِصَالِ الشَّرِّ أَعْدَلُ مِنْ الْحَسَدِ، يَقْتُلُ الْحَاسِدَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَحْسُودِ.
وقال لابنه: يا بني! إياك والحسد، فإنه يتبين فيك قبل أن يتبين في عدوك.
وعن سفيان بن دينار قال: قلت لأبي بشر: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً، قال: قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم.
وقيل للحسن: أيحسد المؤمن؟ قال: لا أم لك، أنسيت إخوة يوسف، لكن الكريم يخفيه واللئيم يبديه.
وقال ابن سيرين: ما حسدت أحداً على شيء من أمر الدنيا، لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حقيرة في الجنة؟ وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار.
قال الشاعر:
كل العداواة قد تُرجَى إماتتها إلا عداوةَ من عاداك من حسدِ.
وقال الخليل بن أحمد: لا شيء أشبه بالمظلوم من الحاسد.
وقال بعض الحكماء: كل أحد يمكن أن ترضيه إلا الحاسد، فانه لا يرضيه إلا زوال نعمتك.
وقال الأصمعي: سمعت أعرابياً، يقول: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد، حزن لازم، ونفس دائم، وعقل هائم، وحسرة لا تنقضي.
وقال عون بن عبد الله: إياك والكبْر، فإنه أول ذنب عصيَ الله به ثم قرأ (وإذ قلنا للملائكة … ) وإياك والحرص، فإنه أخرج آدم من الجنة ثم قرأ (اهبطوا منها) وإياك والحسد، فإنما قتل ابن آدم أخاه حين حسده ثم قرأ (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق).
قال بعض العلماء: بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه:
أولها: قد أبغض كل نعمة قد ظهرت على غيره، والثاني: سخط لقسمته كأنه يقول لربه: لم قسمت هكذا؟ والثالث: أنه ضن بفضله، يعني أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو يبخل بفضل الله، والرابع: خذل ولي الله، لأنه يريد خذلانه وزوال النعمة عنه، والخامس: أعان عدوه يعني إبليس لعنه الله.
قال بعض العلماء: ليس شيء من الشر أضر من الحسد، لأنه يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل إلى المحسود مكروه:
أولها: غم لا ينقطع.
والثاني: مصيبة لا يؤجر عليها.
والثالث: مذمة لا يحمد عليها.
والرابع: يسخط عليه الرب.
والخامس: تغلق عليه أبواب التوفيق.