قال ابن الجوزي: وإنما فضلت صدقة السر لمعنيين:
أحدهما: يرجع إلى المعطي وهو بُعْدُه عن الرياء، وقربه من الإخلاص، والإعراض عما تؤثر النفس من العلانية.
والثاني: يرجع إلى المعطَى، وهو دفع الذل عنه بإخفاء الحال، لأن في العلانية ينكر.
ثم قال: واتفق العلماء على إخفاء الصدقة النافلة أفضل من إظهارها.
ماذا نستفيد من قوله (وَمَا زَادَ اَللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا)؟
نستفيد الفضل العظيم لمن يعفو ويصفح، وللعفو فضائل وثمرات:
أولاً: أن فيه استجابة لأمر الله تعالى وطاعة لله ورسوله.
قال تعالى (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ).
وقال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ).
وقال تعالى (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
ثانياً: وهو يورث العز في الدنيا والآخرة.
قال -صلى الله عليه وسلم- (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) رواه مسلم.
ثالثاً: وهو يورث محبة الله عزوجل.
قال تعالى (الذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
رابعاً: يجلب الأجر الجزيل من الله تعالى.
قال تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ).
قال السعدي: وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.
خامساً: يوجب عفو الله عن العبد يوم القيامة.
ففي الحديث (كان رجل يداين الناس فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسراً فتجاوز عنه لعل الله يتجاوز عنا فلقي الله فتجاوز عنه) متفق عليه.
سادساً: وهو من صفات الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
كما قال عبد اللّه بن عمرو: إني أرى صفة رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- في الكتب المتقدمة (أنه ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح) رواه البخاري.
سابعاً: سبب لمغفرة الذنوب.
قال تعالى (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).