للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن القيم رحمه الله: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس إلا مجلس يذكر الله تعالى

فيه، ثم ذكر حديث (إن لله ملائكة سيارة).

وقال: فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم، فلهم نصيب من قوله: وجعلني مباركاً أينما كنت، فهكذا المؤمن مبارك أين حل، والفاجر مشؤوم أين حل.

وفي الحديث أن من جلس في بيت من بيوت الله لذكر الله وقراءة القرآن، فإنه يحصل على أربع مزايا:

الأولى: تتنزل عليهم السكينة.

ففي الصحيحين عن البراء بن عازب قال (كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس، فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال: تلك السكينة تنزل للقرآن).

الثانية: غشيان الرحمة.

الثالثة: أن الملائكة تحف بهم.

الرابعة: أن الله يذكرهم فيمن عنده.

قال ابن رجب رحمه الله: وهذه الأربع لكل مجتمعين على ذكر الله، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد كلاهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن لأهل الذكر تعالى أربعاً: تنزل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتحف بهم الملائكة، ويذكرهم الرب فيمن عنده). (لطائف المعارف).

قوله (مجلساً) هل يعم جميع المجالس أم خاص بالمساجد؟

يعم جميع المجالس.

فقد جاء في رواية تقييد ذلك بالمسجد (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُه).

لكن حديث الباب جاء مطلقاً (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا).

قال النووي: وَيُلْحَق بِالْمَسْجِدِ فِي تَحْصِيل هَذِهِ الْفَضِيلَة الِاجْتِمَاع فِي مَدْرَسَة وَرِبَاط وَنَحْوهمَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَيَدُلّ عَلَيْهِ الْحَدِيث الَّذِي بَعْده فَإِنَّهُ مُطْلَق يَتَنَاوَل جَمِيع الْمَوَاضِع، وَيَكُون التَّقْيِيد فِي الْحَدِيث الْأَوَّل خَرَجَ عَلَى الْغَالِب، لَا سِيَّمَا فِي ذَلِكَ الزَّمَان، فَلَا يَكُون لَهُ مَفْهُوم يُعْمَل بِهِ.

فائدة:

قوله (لَمْ أَسْتَحْلِفكُمْ تُهْمَة لَكُمْ) هِيَ بِفَتْحِ الْهَاء وَإِسْكَانهَا، وَهِيَ فُعْلَة وَفُعَلَة مِنْ الْوَهْم، وَالتَّاء بَدَل مِنْ الْوَاو، وَاتَّهَمْته بِهِ إِذَا ظَنَنْت لَهُ ذَلِكَ.

قَوْله -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَة) مَعْنَاهُ: يُظْهِر فَضْلكُمْ لَهُمْ، وَيُرِيهِمْ حُسْن عَمَلِكُمْ، وَيُثْنِي عَلَيْكُمْ عِنْدهمْ، وَأَصْل الْبَهَاء: الْحُسْن وَالْجَمَال، وَفُلَان يُبَاهِي بِمَا لَهُ، أَيْ: يَفْخَر وَيَتَجَمَّل بِهِمْ عَلَى غَيْرهمْ وَيُظْهِر حُسْنهمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>