ففي هذه الحديث النهي عام عن جميع الصلوات، فتدخل ذوات الأسباب في هذا العموم.
القول الثاني: يجوز في أوقات النهي فعل ماله سبب، كتحية المسجد.
وهذا مذهب الشافعي، ورجحه كثير من المحققين كابن تيمية وابن القيم والشيخ ابن عثيمين وابن باز.
أ- لحديث أنس. قال: قال -صلى الله عليه وسلم- (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) متفق عليه.
وجه الدلالة: أن الحديث دليل على جواز قضاء الصلاة المنسية أو الفائتة في أي وقت من الأوقات، ومنه يعلم أن المراد بالصلاة المنهي عن أدائها في أوقات النهي إنما هي التطوع المطلق دون ماله سبب كما في الصلاة المقضية.
ب-حديث أبي قتادة. قال: قال -صلى الله عليه وسلم- (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) متفق عليه
وجه الدلالة: أن الأمر بصلاة تحية المسجد عام فيشمل جميع الأوقات بما فيها أوقات النهي، ومنه يستفاد أن ذوات الأسباب غير داخلة في عموم النهي عن الصلاة في أوقات النهي.
ج-لحديث بلال. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له (حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك أمامي في الجنة؟ فقال بلال: ما عملت في الإسلام عملاً أرجى عندي من أني أتطهر طهوراً من ليل أو نهار إلا صليت بهذا الطهور ما شاء الله). متفق عليه
فدل على أنه يصلي ركعتي الوضوء في أي وقت، ولم ينكر عليه.
د- عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها). رواه مسلم
وجه الاستدلال: أن النهي جاء عن تحري الصلاة، والتحري هو التعمد وقصد الصلاة في هذا الوقت، وهذا لا يكون إلا في التطوع المطلق، وأما ماله سبب فلم يتحره المصلي بل فعله لأجل سببه، وهذا اللفظ المقيد في هذا الحديث يفسر سائر الألفاظ، ولو كان النهي عن النوعين لم يكن لتخصيص التحري فائدة، وكان الحكم قد علق بوصف عديم التأثير. (مجموع الفتاوى: ٢٣/ ٢١١)
هـ-أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات السبب خاصة، والخاص مقدم على العام.
و-أن الصلوات ذات السبب مقرونة بسبب فيبعد أن يقع فيها الاشتباه في مشابهة المشركين، لأن النهي عن الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لئلا يتشبه المصلي المسلم بالمشركين، فإذا كانت الصلاة لها سبب معلوم، كانت المشابهة بعيدة.
ك-استدلوا بالإجماع على جواز الصلاة على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا لم يكن عند الطلوع وعند الغروب (وقد نقل الإجماع: الشافعي، وابن المنذر، والنووي، وابن قدامة).
وهذا القول هو الصحيح.