للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

استدلَّ أصحاب هذا القول بالمنقول والمعقول، ومن أدلَّتهم ما يأتي:

أ-عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ نسِي صلاةً فليصلِّها إذا ذكَرَها، لا كفَّارة لها إلاَّ ذلك) وفي رواية (مَنْ نسِي صلاة، أو نام عنْها فكفَّارتُها أن يصلِّيها إذا ذكَرَها) متفق عليه.

وجه الدّلالة: أنَّ هذا أمر بقضاء الفائتة إذا ذكرت، وهو عامّ يشمل وقت النَّهي، وغيره، ويؤيِّد هذا العموم قضاء النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لسنَّة العصْر، وإقراره لِمَنْ صلَّى بعد الصبح.

ب- أنَّ أمَّ سلمة - رضي الله عنْها - لمَّا رأت النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يصلِّي بعد العصر أرسلت إليه الجارية، وقالتْ: قومي بجنبه قولي له: تقول لك أم سلمة: يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين، وأراك تصليهما! فإن أشار بيده فاستأخري عنْه، ففعلت الجارية، فأشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف، قال (يابنت أبي أميَّة، سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللَّتين بعد الظهر فهي هاتان).

وجه الدلالة: أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قضى سنَّة الظهر بعد العصر، وهو وقت نَهي، وهو نصٌّ صريح في محلِّ النِّزاع، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " … وهو قضاء النَّافلة في وقْت النَّهي، مع إمكان قضائها في غير ذلك الوقت.

ج-حديث قيس بن عمرو -رضي الله عنه- قال (خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقيمت الصلاة، فصليت معه الصبح، ثم انصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجدني أصلي، فقال: مهلاً يا قيس، أصلاتان معًا؟ فقلت: يا رسول الله، إن لم أكن ركعت ركعتي الفجر قال: فلا إذًا).

وجه الدلالة: أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أقرَّ قيسًا على قضائه راتبةَ الصبح في وقت النَّهي، فدلَّ على أنَّ الرَّواتب تقضى في وقت النَّهي.

د-أنَّ ذوات الأسْباب إنَّما دعا إليْها داع، ولم تفعل لأجل الوقت، بخلاف التطوُّع المطلق الذي لا سبب له، وحينئذٍ فمفسدة النَّهي إنَّما تنشأ ممَّا لا سبب له دون ما له السَّبب، ولهذا قال في حديث ابن عمر (لا تتحرَّوا بصلاتِكم طلوع الشَّمس ولا غروبها).

هـ-أنَّ النَّهي كان لسدِّ ذريعة الشِّرْك، وذوات الأسباب فيها مصلحة راجحة، والفاعل يفعلها لأجل السَّبب، لا يفعلها مطلقًا فتمتنع المشابهة.

القول الثاني: أنَّ السنن الرَّواتب لا تقضى في الأوقات المنهيِّ عنها.

وهو قول الحنفية، والمالكية، مذهب الحنابلة.

واستدلوا بالأحاديث العامة التي سبقت في النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح.

القول الثالث: التَّفريق بين وقْت النَّهي الَّذي بعد العصر، وبين غيره من أوقات النهي، فتقضى الفائتة بعد العصر، ولا تقضى في غيره من أوقات النَّهي.

وهو اختيار الموفق ابن قدامة من الحنابلة حيث يقول - رحمه الله - بعد كلامه عن قضاء سنَّة الفجر، والخلاف فيها: إذا كان الأمر هكذا كان تأخيرُها إلى وقْت الضحى أحسنَ لنخرج من الخلاف، ولا نخالف عموم الحديث، وإن فعلها فهو جائز؛ لأنَّ الخبر لا يقصر عن الدلالة على الجواز … وأمَّا قضاء السنن بعد العصر فالصَّحيح جوازه.

أ-أنَّ قضاء النافلة بعد العصر قد ثبت في الأحاديث كما في حديث أم سلمة - رضي الله عنها - حيث قضى النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- سنة الظهر بعد العصر.

ب-أنَّ النَّهي عن الصَّلاة بعد العصر أخفُّ من غيره من الأوقات الأخرى؛ لما روي في خلافه من الرخصة، ولاختلاف الصَّحابة -رضي الله عنهم- فيه فلا يلحق بغيره.

والراجح القول الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>