القول الثاني: أن المستحب أن يخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة يسيرة، كما يفعل في خطبة الجمعة، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.
القول الثالث: أنه لا خطبة لها، وهذا مذهب الجمهور: مالك، وأبو حنيفة، وأحمد.
قالوا: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالصلاة دون الخطبة، وإنما خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الصلاة ليعلمهم حكمها، وهذا مختص به.
وقال بعضهم: إنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقصد الخطبة بخصوصها، وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس.
والصحيح الأول، أنها تشرع لها خطبة.
وقد أجاب ابن دقيق العيد رحمه الله على المذهبين فقال في شرح حديث عائشة السابق: ظاهر في الدلالة على أن لصلاة الكسوف خطبة، ولم ير ذلك مالك ولا أبو حنيفة، قال بعض أتباع مالك: ولا خطبة، ولكن يستقبلهم ويذكرهم.
وهذا خلاف الظاهر من الحديث، لا سيما بعد أن ثبت أنه ابتدأ بما تبتدأ به الخطبة من حمد الله والثناء عليه.
والذي ذُكر من العذر عن مخالفة هذا الظاهر: ضعيف، مثل قولهم: إن المقصود إنما كان الإخبار: أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، للرد على من قال ذلك في موت إبراهيم. والإخبار بما رآه من الجنة والنار، وذلك يخصه.
وإنما استضعفناه لأن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة.
وقد يكون بعض هذه الأمور داخلاً في مقاصدها، مثل ذكر الجنة والنار، وكونهما من آيات الله، بل هو كذلك جزماً. (إحكام الأحكام)
قال الشوكاني راداً على أدلة من قال لا خطبة لها: وتُعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بها، وحكاية شرائطها من الحمد والثناء وغير ذلك مما تتضمنته الأحاديث، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلا بدليل.
وقال الصنعاني: رواية البخاري (فحمد الله وأثنى عليه) وفي رواية (أنه عبده ورسوله) وفي رواية للبخاري (أنه ذكر أحوال الجنة والنار وغير ذلك) وهذه مقاصد الخطبة، وفي لفظ مسلم من حديث فاطمة عن إسحاق قالت (فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: ما من شيء لم أكن أريته إلا وقد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار، وأنه قد أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور قريباً أو مثل فتنة المسيح الدجال … ).