للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• أن هذه القضية لا يعلم هل كانت قبل أحاديث المنع من زيارة النساء للقبور أو لا؟ وهي إما أن تكون دالة على الجواز فلا دلالة على تأخرها عن أحاديث المنع، أو تكون دالة على المنع بأمرها بتقوى الله فلا دلالة فيها، وعلى الجواز على التقديرين لا تعارض أحاديث المنع، ولا يمكن دعوى نسخها بها.

ب- أما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) فيجاب عنه:

أنه خطاب للرجال دون النساء، فإن اللفظ لفظ مذكر وهو مختص بالذكور بأصل الوضع فلا يدخل فيه النساء، وهذا هو المذهب الصحيح المختار في الأصول.

وعلى هذا فالإذن لا يتناول النساء فلا يدخلن في الحكم الناسخ.

ج- أما حديث عائشة: (قولي: السلام على أهل الديار … ) فيجاب عنه:

• بأن الحديث لا دلالة فيه على جواز زيارة القبور للنساء، لأن الحديث إنما سيق لتعليم السلام على أهل القبور دون إباحة الزيارة للنساء، وقد تمر المرأة على أهل القبور في مسير لها من غير قصد الزيارة فتحتاج إلى التسليم عليهم، فلا يلزم من تعليمه لهن إباحة الزيارة قصداً.

• أن هذا التعليم من النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة يحتمل أن يكون قبل النهي الأكيد والوعيد الشديد لزوّارات القبور.

د- وأما حديث عائشة في زيارة قبر أخيها، فيجاب عنه:

أنها لم تخرج إليه للزيارة، وإنما خرجت للحج فمرت بقبره فوقفت عليه للدعاء له.

• ومنها أنه على فرض أنها قصدت الزيارة، فهو اجتهاد منها رضي الله عنها لا يعارض الأخبار الثابتة التي وردت في نهي النساء عن زيارة القبور.

• ومنها أن قولها: (كَانَ قَدْ نَهَى، ثُمَّ أُمِرَ بِزِيَارَتِهَا) خبر عام، لم تتعرض فيه لحكم زيارة النساء خاصة، فهو كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كنت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا) رواه مسلم.

قال ابن القيم رحمه الله: … وَعَائِشَة إِنَّمَا قَدِمَتْ مَكَّة لِلْحَجِّ، فَمَرَّتْ عَلَى قَبْر أَخِيهَا فِي طَرِيقهَا، فَوَقَفَتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا بَأْس بِهِ، إِنَّمَا الْكَلَام فِي قَصْدهنَّ الْخُرُوج لِزِيَارَةِ الْقُبُور، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا عَدَلَتْ إِلَيْهِ وَقَصَدَتْ زِيَارَته، فَهِيَ قَدْ قَالَتْ " لَوْ شَهِدْتُك لَمَا زُرْتُك "، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمُسْتَقَرّ الْمَعْلُوم عِنْدهَا: أَنَّ النِّسَاء لَا يُشْرَع لَهُنَّ زِيَارَة الْقُبُور، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلهَا ذَلِكَ مَعْنًى. وَأَمَّا رِوَايَة الْبَيْهَقِيِّ، وَقَوْلهَا " نَهَى عَنْهَا ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا ": … لَوْ صَحَّ؛ فَهِيَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ غَيْرهَا مِنْ دُخُول النِّسَاء، وَالْحُجَّة فِي قَوْل الْمَعْصُوم، لَا فِي تَأْوِيل الرَّاوِي، وَتَأْوِيله إِنَّمَا يَكُون مَقْبُولًا، حَيْثُ لَا يُعَارِضهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَهَذَا قَدْ عَارَضَهُ أَحَادِيث الْمَنْع. (تهذيب السنن).

<<  <  ج: ص:  >  >>