للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومثال ذلك: جواز لبس الرجل لثوب حرير من أجل حكة به. وقد جاءت السنة بذلك.

مثال آخر: إباحة ربا الفضل للحاجة، فقد رخص الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بيع الرطب على رؤوس النخل بتمر كيلاً، مع أن الأصل تحريم هذه المعاملة، لأنه لا يمكن حصول التساوي بين الرطب والتمر، لأن الرطب ينقص إذا جف، فتكون هذه الصورة داخلة في ربا الفضل، إلا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رخص فيها للحاجة.

انظر: "إعلام الموقعين" (٢/ ١٣٧).

وقد نظم ذلك القول والمثال: الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في منظومته في أصول الفقه وقواعده، فقال:

لكنَّ ما حُرِّمَ للذَّرِيعَةِ … يَجُوزُ للحَاجَةِ كَالعَريَّةِ

وقد شرح ذلك بقوله:

"هذا مستثنى من قوله: (وكل ممنوع فللضرورة يباح) لأن ظاهره أنه لا يباح المحرم إلا عند الضرورة، فاستثنى من ذلك ما كان محرماً للذريعة، فإن حكمه حكم المكروه، يجوز عند الحاجة.

مثاله: العَرِيَّة وهي: عبارة عن بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر، وأصل بيع الرطب بالتمر حرام، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن بيع التمر بالرطب فقال: (أينقص إذا جف؟) قالوا: نعم، فنهى عن ذلك.

ووجهه: أن بيع التمر بالتمر لابد فيه من التساوي، ومعلوم أن الرطب مع التمر لا يتساويان، فإذا كان هذا الفلاح عنده الرطب على رؤوس النخل، وجاء شخص فقير ليس عنده دراهم يشتري رطباً يتفكه به مع الناس، لكن عنده تمر من العام الماضي، فلا حرج أن يشتري الرطب بالتمر للحاجة لأنه ليس عنده دراهم، ولو باع التمر أولاً ثم اشترى رطباً ففيه تعب عليه، وربما ينقص ثمن التمر، فيجوز له أن يشتري الرطب بالتمر للحاجة بشروط:

١ - أن لا يتجاوز خمسة أوسق.

٢ - وأن لا يدع الرطب حتى يتمر.

٣ - وأن يكون الرطب مخروصاً بما يؤول إليه تمراً، مثل أن يقال: هذا الرطب إذا صار تمراً صار مماثلاً للتمر الذي بذله للمشتري

٤ - وأن لا يجد ما يشتري به سوى هذا التمر.

٥ - وأن يكون الرطب على رؤوس النخل، لئلا يفوته التفكه شيئاً فشيئاً.

فإذا قال قائل: ألا يمكن أن يبيع التمر ويشتري الرطب كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فيما إذا كان عند الإنسان تمر رديء، وأراد تمراً جيداً أنه لا يبيع التمر الرديء بتمر جيد أقل منه، بل أمر أن يباع الرديء بالدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمراً جيداً، فلماذا نقول بالعَرِيَّة، ولا نقول: بع التمر ثم اشتر بالدراهم رطباً؟

فالجواب على هذا:

أولاً: أن السنة فرقت بينهما، وكل شيء فرق الشرع فيه فإن الحكمة بما جاء به الشرع، لأننا نعلم أن الشرع لا يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين متفرقين، وما فرق الشرع بينهما وظننا أنهما متماثلان، فإن الخطأ في فهمنا، فيكفي أن نقول: جاء الشرع بحل هذا ومنع هذا، لكن مع ذلك يمكن أن نجيب عقلاً عن هذا، فيقال: إن الصحابة رضي الله عنه كانوا يبيعون التمر الرديء بالتمر الجيد مع التفاضل، وهذا ربا صريح لا يحل.

<<  <  ج: ص:  >  >>