أما في مسألة العَرِيَّة فيجب أن يخرص الرطب بحيث يساوي التمر لو أتمر، بمعنى: أننا نخرص الرطب بحيث يكون هذا الرطب إذا يبس وصار تمراً على مقدار التمر الذي اشترى الرطب به.
ثانياً: أن نقول: إن ربا الفضل إنما حُرم لكونه ذريعة إلى ربا النسيئة، وذلك لأن ربا الفضل لا يمكن أن يقع بين متماثلين جنساً ووصفاً، بل لابد أن يكون هناك فرق بينهما في الوصف من أجل زيادة الفضل، وتتشوف النفوس إلى زيادة الدين إذا تأجل، وتقول النفس: إذا كانت الزيادة تجوز لطيب الصفة، والنقص يجوز لرداءة الصفة، فلتجز الزيادة لزيادة المدة بتأخير الوفاء، فترتقي النفس من هذا إلى هذا، والنفس طماعة لا سيما في البيع والشراء، ولا سيما مع قلة الورع كما في الأزمنة المتأخرة، لذلك سُدَّ الباب، وقيل: لا يجوز ربا الفضل، ولو مع التقابض في المجلس.
والذي يمكن أن يقع في العرية هو ربا الفضل، وتحريم ربا الفضل علمنا من التقرير الذي ذكرناه أنه إنما يحرم لئلا يكون ذريعة إلى ربا النسيئة، والذي حرم لكونه ذريعة فإنه يباح عند الحاجة.
فإن قال قائل: الفقير الذي لا دراهم عنده ما ضرورته إلى أن يشتري الرطب بالتمر؟
الجواب: ليس هناك ضرورة، لأنه يمكن أن يعيش على التمر، لكن هناك حاجة، يريد أن يتفكه كما يتفكه الناس، فلهذا رخِّص له في العرية.
مثال آخر: النظر إلى وجه المرأة الأجنبية حرام، لأنه وسيلة إلى الفاحشة، ولهذا جاز للحاجة، فالخاطب يجوز أن يرى وجه مخطوبته، والشاهد إذا أراد أن يعرف عين المرأة المشهود عليها، يجوز أن يرى وجهها ليشهد على المرأة بعينها، لأن التحريم هنا تحريم وسيلة، وما كان تحريمه تحريم وسيلة فإنه يجوز عند الحاجة.
مثال آخر: الحرير على الرجال حرام، لأنه وسيلة إلى أن يتخلق الرجل بأخلاق النساء من الليونة والرقة، والتشبه بالنساء حرام، فلما كان تحريمه تحريم وسيلة جاز عند الحاجة، فإذا كان الإنسان فيه حكة يجوز أن يلبس الحرير من أجل أن تبرد الحكة، لأن تحريمه تحريم وسائل" انتهى. "شرح منظومة أصول الفقه وقواعده" (ص ٦٤ - ٦٧).