للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أجاب أصحاب القول الأول عن حديث الباب (، فَقَدَ مَلَّكْتُكَهَا … ).

أولاً: بأنّ لفظة (ملكتكها) وهمٌ في هذا الحديث، وأنّ الصواب فيه هو رواية من رواه بلفظ (زوَّجتكها).

قال الدارقطني: إنّ رواية من رواه (ملكتكها) وهمٌ، ورواية من قال (زوجتكها) الصواب، وهُمْ أكثر وأحفظ.

ثانياً: أنه على فرض صحتها وأنّ الروايتين متساويتان ولا مكان للترجيح، فإنه يسقط الاحتجاج بها للفريقين ويُطلب الدلالة من أدلة أخرى.

قال ابن حجر: فرواية التزويج أو الإنكاح أرجح، وعلى تقدير أن تساوي الروايات يقف الاستدلال بها لكل من الفريقين.

قال ابن قدامة: وأما الخبر فقد روي (زوجتكها) و (أنكحتكها) و (زوجناكها) من طرق صحيحة، والقصة واحدةٌ، والظاهر أنّ الراوي روى بالمعنى ظنًّا منه أنّ معناهما واحدٌ، فلا تكون حجة، وإن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الألفاظ فلا حجة لهم فيه، لأن النكاح انعقد بأحدها والباقي فضلة.

وأجاب أصحاب القول الثاني عن أدلة القول الأول:

- أما قولهم: إنه لم يرد في القرآن سوى لفظي الإنكاح والتزويج، فيجاب عنه: بأن عدم الورود لا يدل على الحصر فيهما.

- وأما قول الله تعالى (خَالِصَةً لَك … ) ليس المراد منه تخصيص النكاح بلفظ الهبة، ولكن يعني: بدون المهر يجوز له ولا يجوز لأمته.

وقال الجصاص: وقال آخرون: بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته في عقد النكاح بلفظ الهبة سواء، وإنما خصوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت في جواز استباحة البُضع بغير بدل، وقد روي نحو ذلك عن مجاهد، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وهذا هو الصحيح؛ لدلالة الآية والأصول عليه.

- وأما حديث جابر ( … واستحللتم فروجهن بكلمة الله) فتعقب هذا: بأنّ المعنى الذي ذكروه للكلمة منازعٌ فيه، فهو غير متعين في الحديث.

قال الخطابي: قوله: (استحللتم فروجهن بكلمة الله) يريد - والله أعلم - ما شرطه لهنَّ في كلمته، وهو قوله تعالى (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان).

قال ابن التركماني: لا نسلم أنّ المراد بالكلمة ما ذكروه، بل ذكر الهروي وغيره أنّ المراد بها قوله تعالى (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان)

قال الخطابي: قيل فيها وجوه، هذا أحسنها. وقيل: المراد بها كلمة التوحيد، وهي: لا إله إلا الله محمد رسول الله، إذ لولا إسلام الزوج لما حلت له، وقال القرطبي: وأشبه من هذه الأقوال أنها عبارة عن حكم الله تعالى بجواز النكاح، ثم لو سلمنا أنّ المراد بالكلمة ما ذكروه فهذا لا ينفي الحل بغيرها، وقد دلّ قول تعالى (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِي) على جواز النكاح بلفظ الهبة على ما قدمنا في أبواب الخصائص: أنّ الخصوصية للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الانعقاد بغير صداق لا في لفظ الهبة.

وقال النووي: قَوْله -صلى الله عليه وسلم- (وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجهنَّ بِكَلِمَةِ اللَّه) قِيلَ: مَعْنَاهُ قَوْله تَعَالَى (فَإِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيح بِإِحْسَانٍ) وَقِيلَ: الْمُرَاد كَلِمَة التَّوْحِيد وَهِيَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- إِذْ لَا تَحِلّ مُسْلِمَة لِغَيْرِ مُسْلِم، وَقِيلَ: الْمُرَاد بِإِبَاحَةِ اللَّه وَالْكَلِمَة قَوْله تَعَالَى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء) وَهَذَا الثَّالِث هُوَ الصَّحِيح، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْهَرَوِيّ وَغَيْرهمَا. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالْكَلِمَةِ الْإِيجَاب وَالْقَبُول، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا بِالْكَلِمَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهَا. وَاَللَّه أَعْلَم.

<<  <  ج: ص:  >  >>