ثم قال ابن حزم: الحجة في إجازة إنكاح الأب ابنته الصغيرة البكر، إنكاح أبي بكر -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- من عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، وهذا أمر مشهور غنيناً عن إيراد الإسناد فيه، فمن ادعى أنه خصوص لم يلتفت لقوله، لقول الله عز وجل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) فكل ما فعله -صلى الله عليه وسلم- فلنا أن نتأسى به فيه، إلا أن يأتي نص بأنه له خصوص.
(المحلى).
أ-عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِسِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِين) متفق عليه.
وجه الدلالة: تزويج أبي الصديق ابنته عائشة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي صغيرة، ومعلوم أنها لم تك في تلك الحال ممن يعتبر إذنها.
قال النووي: هَذَا صَرِيح فِي جَوَاز تَزْوِيج الْأَب الصَّغِيرَة بِغَيْرِ إِذْنهَا لِأَنَّهُ لَا إِذْن لَهَا، وَالْجَدّ كَالْأَبِ عِنْدنَا، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَاب الْمَاضِي بَسْط الِاخْتِلَاف فِي اِشْتِرَاط الْوَلِيّ، وَأَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَاز تَزْوِيجه بِنْته الْبِكْر الصَّغِيرَة لِهَذَا الْحَدِيث، وَإِذَا بَلَغَتْ فَلَا خِيَار لَهَا فِي فَسْخه عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَسَائِر فُقَهَاء الْحِجَاز، وَقَالَ أَهْل الْعِرَاق: لَهَا الْخِيَار إِذَا بَلَغَتْ. أَمَّا غَيْر الْأَب وَالْجَدّ مِنْ الْأَوْلِيَاء فَلَا يَجُوز أَنْ يُزَوِّجهَا عِنْد الشَّافِعِيّ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِك وَابْن أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَد وَأَبِي ثَوْر وَأَبِي عُبَيْد وَالْجُمْهُور قَالُوا: فَإِنْ زَوَّجَهَا لَمْ يَصِحّ.
ب- فعل الصحابة: فقد زوّج علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم وهي صغيرة، عمر بن الخطاب. أخرجه البيهقي.
ثانياً: أن تكون ثيباً.
فهذه لا بد من رضاها واستئمارها بذلك.
قال ابن تيمية: وأما البالغ الثيب فلا يجوز تزويجها بغير إذنها لا للأب ولا لغيره بإجماع المسلمين.
أ- لحديث الباب (لَا تُنْكَحُ اَلْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ).
وفي رواية (الأيم أحق بنفسها من وليها).
فعلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحة نكاح الثيّب على إذنها، فدل على أنها لا تزوج إلا بإذنها.
ب- وعَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ (أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْىَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَرَدَّ نِكَاحَهَا) رواه البخاري.
وجه الدلالة: ردّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- نكاح خنساء، لأنها زوّجت بغير إذنها، مع أن المزوّج كان أباً.
ج- أن الثيب الكبيرة، رشيدة، عالمة بالمقصود من النكاح، وقد خبرت الرجال، وهي أدرى بمصلحتها، فلم يجز إجبارها على النكاح.
ثالثاً: البكر البالغ.