فهنا اختلف العلماء، هل للأب أن يزوجها بغير إذنها أم لا على قولين:
القول الأول: لا يجب إذنها، وإنما يستحب، فيجوز للأب إجبارها.
وهذا مذهب مالك، والشافعي، ورواية عن أحمد، وعليها جماهير أصحابه.
واستدلوا بحديث الباب بالمفهوم، لأنه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها، فدل على أن ولي البكر أحق بها منها، وأما الاستئذان فهو تطييب لخاطرها.
القول الثاني: يجب استئذانها ولا تجبر على النكاح.
وهذا مذهب أبي حنيفة، والثوري، ورجحه ابن المنذر.
أ-واستدلوا بالحديث (لا تنكح البكر حتى تستأذن).
وجه الدلالة: فعلق النبي -صلى الله عليه وسلم- النكاح على الإذن، فدل على أنه واجب.
ورواية (والبكر يستأذنها أبوها في نفسها) وهذا نص في محل النزاع.
ب- وعن ابن عباس: (أن جارية أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي -صلى الله عليه وسلم- رواه أبو داود. (هذا الحديث أعله أبو حاتم، وأبو زرعة، والبيهقي بالإرسال، وقد رد ابن القيم التعليل بالإرسال).
ففي هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ردّ نكاح البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة، فدل على أن إذن البكر لا بد منه في النكاح، وهذا الحديث مختلف فيه، وقد صححه ابن القيم.
وهذا القول هو الراجح.
ورجحه ابن القيم، وقال: وهو الذي ندين الله به، ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمره ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته.
تنبيه: أما غير الأب، فلا يجوز له أن يزوج البكر الكبيرة بالاتفاق.
قال الشافعي: ولم أعلم أهل العلم اختلفوا في أنه ليس لأحد من الأولياء غير الآباء أن يزوّج بكراً ولا ثيباً إلا بإذنها.