قال ابن القيم معلقاً على صلح الحديبية: وَمِنْهَا: أَنّ الِاسْتِعَانَةَ بِالْمُشْرِكِ الْمَأْمُونِ فِي الْجِهَادِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِأَنّ عَيْنَهُ الْخُزَاعِيّ كَانَ كَافِرًا إذْ ذَاكَ وَفِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ أَنّهُ أَقْرَبُ إلَى اخْتِلَاطِهِ بِالْعَدُوّ وَأَخْذِهِ أَخْبَارَهُم.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على أقوال:
فمنهم: من منع الاستعانة بالمشركين.
للأحاديث المانعة من ذلك كما تقدمت.
وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَشْبَهَ الْمُخَذِّلَ وَالْمُرْجِفَ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَاَلَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِهِمْ غَيْرُ ثَابِتٍ.
ومنهم: من أجاز ذلك.
ومنهم: من أجاز ذلك إذا دعت الحاجة والمصلحة، وهو ممن يوثق به.
قال ابن قدامة: وَلَا يُسْتَعَانُ بِمُشْرِكٍ.
وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْجُوزَجَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ.
وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَخَبَرِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُسْتَعَانُ بِهِ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِمْ، لَمْ تُجْزِئْهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ؛ لِأَنَّنَا إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِعَانَةَ بِمَنْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِثْلَ الْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ، فَالْكَافِرُ أَوْلَى. (المغني).
وقال النووي: قَوْله -صلى الله عليه وسلم- (فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِين بِمُشْرِكٍ).
وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر: (أَنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- اِسْتَعَانَ بِصَفْوَانَ بْن أُمَيَّة قَبْل إِسْلَامه).
فَأَخَذَ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء بِالْحَدِيثِ الْأَوَّل عَلَى إِطْلَاقه.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ: إِنْ كَانَ الْكَافِر حَسَن الرَّأْي فِي الْمُسْلِمِينَ، وَدَعَتْ الْحَاجَة إِلَى الِاسْتِعَانَة بِهِ اُسْتُعِينَ بِهِ، وَإِلَّا فَيُكْرَه، وَحَمَلَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْن .... (شرح مسلم).