فليس معنى الحديث أن العبد يُقاتَل حتى يأتي بالشهادتين ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، وأنه لا يكف عنه إلا بعد اجتماعها، وذلك لأن دلائل الوحيين ظاهرة في الاكتفاء بالشهادتين لعصمة الدم والمال، ولكنه إذا جاء بهما عصمته حالاً ثم لزمه ما بقي وراء الشهادتين من أحكام الدين المعظمة.
فالاقتصار على النطق بالشهادتين كافٍ لعصمة النفس والمال ..
والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل من كل من جاءه يريد الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلماً، ويؤيد هذا أحاديث قولية صحيحة لم يذكر فيها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة:
ففي الصحيحين عن أبي هريرة. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها وحسابه على الله).
وفي رواية لمسلم (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به).
وروى مسلم عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول (من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبدُ من دون الله، حرم الله دمه وماله وحسابه على الله).
وأنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على أسامة بن زيد قتله لمن قال: لا إله إلا الله، واشتد نكيره عليه.
- قوله -صلى الله عليه وسلم- (فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ … ) أي: صارت دماؤهم وأموالهم حراماً غير حلال لمَا علِم من ظاهرهِم دون اعتداد بباطنهم.
وهذه العصمة نوعان:
أحدهما: عصمة الحال.
ويُكتفَى فيها بالشهادتين، فمن أقر بالشهادتين عُصِم دمه وماله حالاً.
والثاني: عصمة المآل.
ولا يكتفَى فيها بالشهادتين، بل لابد من الإتيان بحقوقهِما من أركان الإسلام وغير ذلك من الشرائع، وعندئذ يُحكم ببقاء إسلامه وامتداد ما ثبت له من العصمة ابتداءً.
- الحديث دليل على وجوب مقاتلة الكفار (مع القدرة) حتى يسلموا وينطقوا بالشهادتين، وحتى لا يبقى شرك.
قال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (لا تكون فتنة) أي لا يبقى شرك، لأن الدين لا يكون كله لله ما دام في الأرض مشرك.
ولقوله -صلى الله عليه وسلم- (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا … ).