للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال النووي: أَرَادَ بِهَذَا تَصْبِير النَّاس عَلَى الصُّلْح، وَإِعْلَامهمْ بِمَا يُرْجَى بَعْده مِنْ الْخَيْر، فَإِنَّهُ يُرْجَى مَصِيره إِلَى خَيْر، وَإِنْ كَانَ ظَاهِره فِي الِابْتِدَاء مِمَّا تَكْرَههُ النُّفُوس، كَمَا كَانَ شَأْن صُلْح الْحُدَيْبِيَة، وَإِنَّمَا قَالَ سَهْل هَذَا الْقَوْل حِين ظَهَرَ مِنْ أَصْحَاب عَلِيّ -رضي الله عنه- كَرَاهَة التَّحْكِيم، فَأَعْلَمَهُمْ بِمَا جَرَى يَوْم الْحُدَيْبِيَة مِنْ كَرَاهَة أَكْثَر النَّاس الصُّلْح، وَأَقْوَالهمْ فِي كَرَاهَته، وَمَعَ هَذَا فَأَعْقَبَ خَيْرًا عَظِيمًا، فَقَرَّرَهُمْ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الصُّلْح مَعَ أَنَّ إِرَادَتهمْ كَانَتْ مُنَاجَزَة كُفَّار مَكَّة بِالْقِتَالِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَر -رضي الله عنه-: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّة فِي دِيننَا.

قوله (فَفِيمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا):

قال النووي: هِيَ بِفَتْحِ الدَّال وَكَسْر النُّون وَتَشْدِيد الْيَاء، أَيْ: النَّقِيصَة، وَالْحَالَة النَّاقِصَة، قَالَ الْعُلَمَاء: لَمْ يَكُنْ سُؤَال عُمَر -رضي الله عنه- وَكَلَامه الْمَذْكُور شَكًّا؛ بَلْ طَلَبًا لِكَشْفِ مَا خَفِيَ عَلَيْهِ، وَحَثًّا عَلَى إِذْلَال الْكُفَّار وَظُهُور الْإِسْلَام كَمَا عُرِفَ مِنْ خُلُقه -رضي الله عنه-، وَقُوَّته فِي نُصْرَة الدِّين وَإِذْلَال الْمُبْطِلِينَ.

قَوْله (فَنَزَلَ الْقُرْآن عَلَى رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- بِالْفَتْحِ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَر فَأَقْرَأهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه أَوَ فَتْح هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَطَابَتْ نَفْسه وَرَجَعَ):

الْمُرَاد أَنَّهُ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى (إِنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا) وَكَانَ الْفَتْح هُوَ صُلْح يَوْم الْحُدَيْبِيَة، فَقَالَ عُمَر: أَوَ فَتْح هُوَ؟ قَالَ رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- نَعَمْ. لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَوَائِد الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرهَا.

وَفِيهِ إِعْلَام الْإِمَام وَالْعَالِم كِبَار أَصْحَابه مَا يَقَع لَهُ مِنْ الْأُمُور الْمُهِمَّة، وَالْبَعْث إِلَيْهِمْ لِإِعْلَامِهِمْ بِذَلِكَ. وَاَللَّه أَعْلَم. (نووي)

قال ابن حجر: لم يذكر عمر أنه راجع أحداً في ذلك بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير أبي بكر الصديق، وذلك لجلالة قدره وسعة علمه عنده، وفي جواب أبي بكر لعمر بنظير ما أجابه النبي -صلى الله عليه وسلم- سواء، دلالة على أنه كان أكمل الصحابة وأعرفهم بأحوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأعلمهم بأمور الدين وأشدهم موافقة لأمر الله تعالى، وقد وقع التصريح في هذا الحديث بأن المسلمين استنكروا الصلح المذكور وكانوا على رأي عمر في ذلك، وظهر من هذا الفصل أن الصديق لم يكن في ذلك موافقا لهم، بل كان قلبه على قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء. (الفتح).

<<  <  ج: ص:  >  >>