للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وما ذهبوا إليه من حمل المطلق على المقيد مردود: بأنّ حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة ممتنع لا يصح، لأنه مخالف لما اتفق عليه الأصوليون من أنه لا يصح حمل المطلق على المقيد إلا إذا اتحدا في الحكم، وأما إذا اختلفا فلا خلاف بين الأصوليين في امتناع حمل أحدهما على الآخر: وتوضيح ذلك:

أن الحكم المرتب على حالتي الإسبال كليهما مختلف، فمن أسبل للخيلاء فإن الله تعالى لا ينظر إليه يوم القيامة، ولا يزكيه، ولا يكلمه، وله عذاب أليم، ومن أسبل لغير الخيلاء فإن ما أسفل من الكعبين في النار.

فائدة: أما فعل أبي بكر رضي الله عنه فتوجيهه كما قال الذهبي رحمه الله في (سير أعلام النبلاء).

وكذلك نرى الفقيه المترف إذا ليم في تفصيل فرجية -نوع من اللباس- تحت كعبيه، وقيل له: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار" يقول: إنما قال هذا فيمن جر إزاره خيلاء وأنا لا أفعله خيلاء. فنراه يكابر ويبرئ نفسه الحمقاء، ويعمد إلى نص مستقل عام فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء، ويترخص بقول الصديق: (إنه يا رسول الله يسترخي إزاري) فقال: "لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء" فقلنا: أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يشد إزاره مسدولا على كعبيه أولاً، بل كان يشده فوق الكعب، ثم فيما بعدُ يسترخي. وقال عليه الصلاة والسلام: "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين" ومثل هذا في النهي لمن فصل سراويل مغطياً لكعابه، ومنه طول الأكمام زائداً، وتطويل العذبة، وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس، وقد يعذر الواحد منهم بالجهل، والعالم لا عذر له في تركه الإنكار على الجهلة) انتهى كلام الذهبي رحمه الله).

فائدة: ٢

ذكر ابن حجر رحمه الله أن رواية الترمذي فيها زيادة بعد قوله -صلى الله عليه وسلم- (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبراً، فقالت: إذا تنكشف أقدامهن؛ قال: فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه. قال ابن حجر: فهمت - أي أم سلمة - الزجر عن الإسبال مطلقاً سواء كان عن مخيلة أو لا، فسألت عن حكم النساء في ذلك لاحتياجهنّ إلى الإسبال من أجل ستر العورة … ثم قال رحمه الله: وقد نقل القاضي عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء، ومراده منع الإسبال لتقريره -صلى الله عليه وسلم- أم سلمة على فهمها. (فتح الباري).

فائدة: ٣

وقال - أي ابن حجر- رحمه الله: وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه. ثم قال: وإن كان الثوب زائداً على قدر لابسه فهذا قد يتجه المنع فيه من جهة الإسراف فينتهي إلى التحريم، وقد يتجه المنع من جهة التشبه بالنساء وهو أمكن فيه من الأول، وقد صحح الحاكم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبسة المرأة، وقد يتجه المنع من جهة أن لابسه لا يأمن من تعلق النجاسة به. (الفتح).

فائدة: ٤

أن الإسبال مظنة الخيلاء. قال ابن حجر رحمه الله: الإسبال يستلزم جر الثوب وجر الثوب يستلزم الخيلاء، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء، ويؤيده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه (وإيّاك وجر الإزار، فإن جر الإزار من المخيلة). (الفتح).

<<  <  ج: ص:  >  >>