للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القول الثاني: أنه مكروه.

وحملوا الأدلة الناهية عن الإسبال مطلقاً على الأدلة المقيدة للتحريم بالخيلاء، وحينئذ فإن الإسبال المحرّم المنهي عنه إنما هو الإسبال للخيلاء والكبر والبطر، وأما الإسبال الخالي عن هذه الصفة والهيئة فلا يصل إلى درجة التحريم، بل هو محمول على الكراهة، وقد دل على حمل المطلق على المقيد بالخيلاء في الإسبال ما يلي:

حديث ابن عمر: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من جر ثوبَه خيلاء لم ينظرِ الله إليه يوم القيامة، فقال أبو بكر: إن أحد شقَّيْ ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إنك لست تصنعُ ذلك خيلاء) متفق عليه.

قالوا: إن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: إنك لست تصنع ذلك خيلاء، تصريح بأن مناط التحريم هو الخيلاء، وأن الوعيد المذكور إنما هو لمن جرها خيلاء، وأما من جر ثيابه لغير الخيلاء فإنه لا يدخل في الوعيد.

وبحديث ابن عمر. قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول (من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المَخِيلة فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة) رواه مسلم.

قالوا: دل بمفهومه على أن من أسبل ثيابه لا يريد بذلك المخيلة لا يلحقه الوعيد المذكور.

قال ابن قدامة: ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برفع الإزار، فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حرام.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وقد عرفت ما في حديث الباب من قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء وهو تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء، وأن الإسبال قد يكون للخيلاء، وقد يكون لغيره، فلابد من حمل قوله"فإنها من المخيلة" في حديث جابر بن علي أنه خرج مخرج الغالب، فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجهاً إلى من فعل ذلك اختيالاً، والقول: بأن كل إسبال من ا لمخيلة أخذاً بظاهر حديث جابر ترده الضرورة، فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله.

ثم قال: وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين.

ثم قال: وحمل المطلق على المقيد واجب، وأما كون الظاهر من عمرو أنه لم يقصد الخيلاء فما بمثل هذا الظاهر تعارض الأحاديث الصحيحة.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح العمدة ٤/ ٣٦٣: وهذه نصوص صريحة في تحريم الإسبال على وجه المخيلة، والمطلق منها محمول على المقيد، وإنما أطلق ذلك؛ لأن الغالب أن ذلك إنما يكون مخيلة.

ثم قال: ولأن الأحاديث أكثرها مقيدة بالخيلاء فيحمل المطلق عليه، وما سوى ذلك فهو باقٍ على الإباحة، وأحاديث النهي مبنية على الغالب والمظنة.

ثم قال: وبكل حال فالسنة تقصير الثياب، وحدِّ ذلك ما بين نصف الساق إلى الكعب، فما كان فوق الكعب فلا بأس به، وما تحت الكعب في النار. انتهى.

والراجح القول الأول: وأن إسبال الثوب لغير الخيلاء حرام.

<<  <  ج: ص:  >  >>