ثالثاً: وَإِذَا دَعَاكَ فَأجبْهُ.
فإن كانت دعوة عرس، فقد ذهب جماهير العلماء إلى وجوبها، بل نقل بعض العلماء الإجماع على ذلك كابن عبد البر، والقاضي عياض وغيرهما.
قال ابن حجر: وقد نقل ابن عبد البر، ثم عياض، ثم النووي الاتفاق على القول بوجوب الإجابة لوليمة العرس، وفيه نظر.
أ- للأمر بها كما في حديث اِبْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى اَلْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: (إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُجِبْ; عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ).
وفي رواية (ائْتُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُم).
وفي رواية (أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ لَهَا).
ووجه الاستدلال من هذه الأحاديث: أنها تضمنت الأمر بإجابة الدعوة لوليمة العرس، والأمر للوجوب، والخطاب عام لكل من عُيّن بالدعوة، فكانت الإجابة فرض عين على من دعي إليها.
ب-وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (شَرُّ اَلطَّعَامِ طَعَامُ اَلْوَلِيمَةِ: يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ اَلدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اَللَّهَ وَرَسُولَهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
فهذا ظاهر على الوجوب، لأنه حكِمَ بالعصيان على من ترك الإجابة، ولا يحكم بالعصيان إلا على ترك واجب.
قال الشوكاني: والظاهر الوجوب، للأوامر الواردة بالإجابة من غير صارف لها عن الوجوب، ولجعْل الذي لم يجب عاصياً، وهذا في وليمة النكاح في غاية الظهور.
وقيل: مستحبة.
وإليه ذهب بعض المالكية والشافعية والحنابلة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
قالوا: لأن الأصل في الوليمة أنها مندوبة فيكون الحضور مندوباً.
وقالوا: لأن الوليمة تمليك مال، وتمليك المال ليس بواجب
وقيل: فرض كفاية.
قالوا: لأن المقصود من حضور الوليمة إظهار الزواج وإعلانه، وهذا يحصل ببعض الناس.
والراجح القول الأول وهو الوجوب.
ولهذا قال ابن عبد البر: وفي قوله في هذا الحديث (فقد عصى الله ورسوله) ما يرفع الإشكال، ويغني عن الإكثار.
- وأما إجابة دعوة غير العرس، فقد اختلف العلماء فيها على قولين:
القول الأول: مستحبة.
وعزاها ابن حجر للجمهور.
أ- لحديث ابن عمر (إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب) قالوا: فلما خص الوجوب بوليمة العرس دل على أن غيرها لا يجب.