واعلم أن الذهب والفضة لم يعودا مرجعا لأثمان الأشياء وقيم المتلفات، ولكن لما أوجب الشارع فيهما الزكاة وعلم وزن ما اعتبره نصابا فيهما كما تقدم؛ كان من ملك النصاب مطالبا بالزكاة، غير أن كثيرا من الناس إنما يخرجون قيمة ربع العشر بالعملات، ويعتبرون المرجع في النصاب قيمة عشرين دينارا من الذهب، ولا يعتبرون قيمة الفضة غالبا، وحجة القائلين بذلك أن الفضة قد تدنى سعرها كثيرا، فلا تصلح لمعرفة نصاب العملات، فيقال والذهب قد ارتفع كثيرا فلم اعتبر هو المرجع في النصاب؟، ثم ما وجه استبعاد الفضة واعتماد الذهب، والحال أن النقود إنما وجبت الزكاة فيها باعتبارها بدلا عنهما، بل إن كون نصاب الذهب هو عشرون دينارا فيه نزاع، حتى اعتبر بعض السلف الذهب من العروض، فأقل ما في هذا الصنيع أنه مجرد تحكم، وليس تدني قيمة الشيء مجيزة لعدم اعتماده، وقد رهن النبي ﷺ درعه في ثلاثين (٣٠) صاعا من الشعير ثمنها يومئذ دينار، رواه ابن حبان من طريق قتادة عن أنس، وهو في الفتح (٤/ ١٧٤)، وأصله في الصحيح، فيكون نحو نصف قنطار منه يساوي دينارا ذهبيا، وقيمة الدينار الذهبي عندنا هذا العام نحو (٠٠٠، ١٠) د. ج، فقارن هذا بسعر الشعير عام (١٤٢٩) وهو (٢٥٠٠) د. ج للقنطار مع أنه سعر فيه دعم للفلاحين من الدولة، والمقصود أن ارتفاع قيمة الشيء أو انخفاضه ليست حجة في ترك اعتباره مرجعا لما جاء بدلا عنه، فالصواب إن شاء الله: هو كون النصاب معتبرا بأقل القيمتين، فضة كان ذلك أو ذهبا، لما فيه من براءة الذمة، والاحتياط للمساكين.