للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عمر قال: «كان رسول الله إذا عجل به السير يجمع بين المغرب والعشاء»، وهو ثابت من فعل ابن عمر أيضا كما رواه الترمذي (٥٥٥)، قال الباجي في (المنتقى ١/ ٢٥٣) مبينا وجه اشتراط جد السير في الجمع: «جميع ما روي عن النبي في الجمع إنما هو إخبار عن فعله وليس فيه شيء من قوله، والفعل لا يحتمل العموم، وإنما يقع على وجه واحد، فيحتمل أن يكون ذلك لشدة السير، ويحتمل غيره».

قلت: هو كذلك؛ لو كان الذي بلغنا من أخبار جمعه بين الصلاتين مطلقا، فيقال بذلك الاحتمال، أما وقد جاء ما يدل على أنه جمع في غير جد السير؛ فلا وجه لهذا، والأحاديث جاءت بذكر الجمع في السفر مطلقا، وبتقييد الجمع بجد السير، وبذكر مقابله، وهو كونه حين الجمع كان نازلا، ومن الأحاديث التي جمعت بين إطلاق الجمع، وبين تقييده بعدم جد السير؛ حديث معاذ بن جبل الذي رواه مالك في الموطإ (٣٢٥) أنهم خرجوا مع رسول عام تبوك، فكان رسول يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوما، ثم خرج، فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا،،، الحديث، وقد رواه مسلم وأبو داود (١٢٠٦)، وهذا نص في جمع المسافر النازل، لكن النص محتمل لجمع التقديم والتأخير، واحتماله للتأخير في الفقرة الأولى أرجح، بقرينة قوله: «فأخر الصلاة يوما»، وقد يكون تأخيرا عما اعتاده من وقت الصلاة، وفقرته الأخيرة محتملة، وحملها على معنى التي قبلها أولى، باعتبار أن قوله فأخر الصلاة يوما شامل لتأخير الظهر والمغرب، والله أعلم

قال ابن عبد البر في (الاستذكار ٢/ ٢٠٥): «ليس في حديث ابن عمر ما يدل على أن المسافر لا يجوز له الجمع بين الصلاتين إلا أن يجد به السير، بدليل حديث معاذ بن جبل، لأن فيه أن رسول الله جمع بين الصلاتين في سفره إلى تبوك نازلا غير سائر، وليس في أحد الحديثين ما يعارض الآخر، وإنما التعارض لو كان في حديث ابن عمر أن رسول الله كان لا يجمع بين الصلاتين إلا أن يجد به السير،،، وإنما هما حديثان حكى الراوي لكل منهما الجمع للمسافر بين الصلاتين جد به السير، أو لم يجد، ولو تعارض الحديثان لكان الحكم لحديث معاذ لأنه أثبت ما نفاه ابن عمر، وليس للنافي شهادة مع المثبت».

<<  <  ج: ص:  >  >>