للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير طاهرتين، وهذا فيه نظر، وإلا فقول النبي : «دعهما، فإني أدخلت رجلي فيهما طاهرتين»؛ لا يدل على ذلك نصا، وقال أصبغ: «إذا تيمم ثم لبس خفيه، ثم صلى؛ فله المسح عليهما إذا وجد الماء، لأنه أدخلهما بطهر التيمم، ولو صلى بالتيمم، ثم لبسهما لم يمسح لانتقاض تيممه بانتهاء صلاته»، وهذا كما ترى مبني على أنه بمجرد الانتهاء من الصلاة تنتقض طهارته، وهكذا إذا غسل إحدى الرجلين ثم لبس الخف عليها قبل أن يغسل الأخرى، فلا يسوغ المسح عندهم، لأن الطهارة لا تتم إلا بالفراغ من الأعضاء جميعها، وقال مطرف يمسح عليهما، وهو الصواب إن شاء الله، وهذه المسألة مسكوت عنها، فتدخل في العفو، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤].

ومن ذلك: أن يكون الوضوء مما تحل به الصلاة احترازا مما إذا توضأ ونوى به ما الطهارة مستحبة له كقراءة القرآن، ووجهه أنه حيث لا يجوز له أن يصلي به؛ لم يجز له أن يمسح على الخف لأنها ليست طهارة تستباح بها الصلاة، ويتجه هنا سؤال هو: هل يسوغ للمكلف أن يقيد ما أطلقه الشارع بنيته كالوضوء ينوي به شيئا معينا فلا يتجاوزه إلى غيره اعتمادا على قول النبي : «وإنما لكل امرئ ما نوى»، هذا موضع نظر.

وقوله: «ما لم ينزعهما»؛ إشارة إلى المشهور في المسح وهو عدم التوقيت سفرا وحضرا، ومعناه أنه إن نزع الخف؛ فإما أن يريد استئناف الوضوء فأمره واضح، وإما أن يريد الاحتفاظ بطهارته فيجب عليه المبادرة إلى غسل الرجلين حتى تحصل الموالاة المطلوبة في الغسل بين الأعضاء، لأنه لما نزع الخفين أو أحدهما تعين الغسل، فبالمبادرة تحصل الموالاة حكما، وإن لم تحصل فعلا، فإن طال الفصل بين النزع والغسل؛ بطلت الطهارة لعدم الموالاة، وهذا أوسط الأقوال في المسألة، والثاني أنه يبطل وضوؤه بنزع الخفين، والثالث أنه لا غسل عليه، ووضوؤه باق، وهذا هو الأصل الذي يدل عليه الاستصحاب، ويتقوى بما رواه البيهقي وغيره عن أبي ظبيان أنه «رأى عليا بال قائما، ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى»، وهذه المسألة مسكوت عنها أيضا، كما قاله ابن رشد، وهي مبنية على الاختلاف هل المسح على الخفين طهارة بذاته؛ أو بدل عن غسل الرجلين وهما مغطاتان بالخف؟، فعلى الأول من نزع خفيه فطهارته باقية، ولا غسل عليه، وعلى الثاني يغسلهما على التفصيل الذي ذكروه.

ولا توقيت في المسح، إلا إذا لزمه غُسل الجنابة، ويقاس الغسل الواجب عليها، وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>