العمل»، انتهى، وهو يعني حديث أبي سعيد قال:«نُهي عن عسب الفحل، وعن قفيز الطحان»، رواه الدارقطني (ح/ ١٨٧) من كتاب البيوع، قال في نهاية غريب الحديث:«هو أن يستأجر رجلا ليطحن له حنطة معلومة بقفيز من دقيقها»، انتهى، والقفيز مكيال غير محدد الحجم يتفق الناس عليه، والمعروف في المذهب أن الأمر ليس على إطلاقه، بل يختص بما إذا جهل الأجر كأن يكون جلد أو بعض لحم الشاة التي يسلخها، وإعطاء النخالة للطحان، وجزء الثوب لمن ينسجه، ولذلك لو عرف القدر كأن يقول له لك صاعان من النخالة نظير طحن هذا القمح جاز.
ولما كانت الأجرة كالثمن فإن الأصل جواز تعجيلها أو تأجيلها متى شرع المستأجر في الانتفاع، لكنها لا تستحق كما علمت إلا بعد استيفاء المنفعة، فإن لم يشرع في استيفائها فلا يجوز التأجيل لما في ذلك من شغل الذمتين الناتج عن ابتداء الدين بالدين، ويجوز السلف في الإجارة بالقياس على السَّلَم، ولأن الأصل في المعاملات الجواز، وقد قالوا يجب تعجيلها إذا كانت معينة بالشرط أو بالعادة، كما تعجل إذا تعلقت الإجارة بالذمة بأن كانت مضمونة لا في معين، ولم يشرع فيها، لأنها تدخل حينئذ في باب الدين بالدين.
أما المنفعة فقد عرفوها بأنها «ما لا تمكن الإشارة إليه حسا دون إضافة، يمكن استيفاؤه غير جزء مما أضيف إليه»، انتهى، ويعنون بالقيد الأول أن المنفعة غير منفصلة عن أصلها كالركوب بالنسبة للدابة، والعمل بالنسبة للأجير، فخرج كراء الأشجار لأجل ثمارها لأن الثمار المقصود استيفاء عينها، وقوله يمكن استيفاؤها يخرج نحو كراء التفاحة لِتُشَمَّ، لأن تأثيرها ليس من الاستيفاء، وإنما هو من مرور الزمان، ولا يستأجر الأعمى للكتابة، ولا تستأجر الأرض التي غمرها الماء ولا يمكن انكشافها للزراعة، وقوله غير جزء مما أضيف إليه خرج نحو استئجار الأشجار لأجل أخذ ثمارها، والشاة للبنها لأنه بيع للشيء قبل وجوده وهو غير جائز، وقال الشوكاني في السيل الجرار (٣/ ١٩١): «فاستئجار الشجرة للانتفاع بثمرها واستئجار الحيوان للانتفاع بما يخرج منه من صوف ولبن جائز صحيح، ومن ادعى خلاف هذا فعليه الدليل»، انتهى، قال كاتبه: الدليل في الأول النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، وقول النبي ﷺ:«بم يأخذ أحدكم مال أخيه إن منع الله الثمرة»؟، والمتضرر في بيع الثمار قبل بدو صلاحها المشتري، والمتضرر هنا هو المستأجر، ولا